والحضارة الإسلامية نفسها قامت بعملية التحديد هذه من ناحيتها السلبية والايجابية، إلا أن الحضارة الإسلامية قد جاءت بهذين التحديدين مرة واحدة، وصدرت فيهما عن القرآن الكريم، الذي نفى الأفكار الجاهلية البالية، ثم رسم طريق الفكرة الاسلامية الصافية التي تخطط للمستقبل، بطريقة ايجابية.
وهذا العمل نفسه لازم اليوم للنهضة الإسلامية.
ولعل هذه المسألة قد أصبحت منذ زمن قريب موضع بحث وتأمل وإننا لنجد فعلاً في روح الاصلاح التي هبت على العالم الاسلامي منذ محمد عبده وتلامذته كابن باديس، بشائر ذلك التحديد السلبي الذي حاولوا فيه تحطيم عللنا وعوامل انحطاطنا.
ولكن الدوائر الأزهرية والزيتونية لم تعبأ بتلك المحاولة من قبل محمد عبده وتلامذته، ولم تستطع أن تتصور في بعض الأحيان النتائج التي تقتضيها الحركة الاصلاحية، وهذا الأمر يعود بلا شك إلى ما بقي في أنفسنا من وطأة شديدة للانحطاط.
وأما التحديد الإيجابي فإننا، وإِن كان قد وضح لنا مجمله، إلا أنه لا يزال غامضا غير محدد.
فليس المقصود هنا من التحديد الايجابي وضع منهاج جديد للتفكير فإن ديكارت قد وضعه بصورة لا نتوهم تغييرها. إلا بانقلاب علمي هائل، لا تحتمله الظروف الآن. وإِنما المقصود تحديد محتواه من العناصر الجوهرية التي نراها لازمة تماما للثقافة وهي: