فكل ثقافة سيطرة ( Culture d'empire) هي في أساسها ثقافة تنمو فيها القيم الجمالية على حساب القيم الأخلاقية.
وهكذا يمكننا أن نتتبع هذه الاعتبارات إلى أبعد مدى. فنرى كيف أن ثقافة تمنح الأولوية لذوق الجمال، تغذي حضارة تنتهي إلى فضيحة حمراء .... يقود جنونها رجل مثل نيرون أو إمرأة مثل مسالين ( Messaline) وذلك لأنها تسيطر عليها دوافع الأنوثة.
كما أننا نلاحظ من ناحية أخرى. كيف أن الثقافة التي تمنح الأولوية للمبدأ الأخلاقي، تكون حضارة مآلها التحجر والجمود. ـ وتنتهي إلى فضيحة صامتة سوداء تتيه في مجاهل تصوف متقهقر يقود جنونه مشايخ الطرق.
كما أننا لو تتبعنا مفعول علاقة " مبدأ أخلاقي- ذوق جمالي" في مركب الحضارة لوجدنا أن له أثرا كبيرا في مجالات أخرى مثل تركيب الأسرة حيث تسود الأم أو يسيطر الأب وفي اتجاه الأدب بصورة عامة. فإن العلاقة التي نحن بصددها تحدد نزعة "الفن للفن" التي يتعارف عليها القوم في المجتمعات التي تمنح الأولوية "لذوق الجمال" كما تحدد من ناحية أخرى نزعة " الأدب الملتزم" في المجتمعات التي تقدم الأخلاق بصورة ما. على الجمال.
والتقديم والتأخير هذا ينتهي أيضا إلى تحديد مناهج سياسية مختلفة تمام الاختلاف. فبينما ينزع منهج إلى تأسيس ديمقراطية تجعل حرية الفرد هدفها وذلك بدافع جمالي إذا بالأخرى تنهج إلى ديمقراطية تستهدف سعادة المجتمع وذلك بدافع أخلاقي.
وعليه فإنه حينما توضع مشكلة توجيه الثقافة. فإنه يجب أن تراعى هذه الاعتبارات جميعها. بحسب ضرورات الحياة. علما بأن العناصر الثقافية موجودة في كل حضارة تواجه هذه الضرورات. غير أن تأثيرها يختلف في الحياة والتاريخ بحسب ترتيبها في سلم القيم المصطلح عليه.