للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأقبل على الجَسِيم، فقال: كم عطاؤُك؟ قال: سبعمائة دِرْهم. ثم أقبل عليَّ فقال: كم عطاؤك؟ فقلت: أربعمائة دِرهم. فقال: يا ابنَ الزُّعَيْزِعَة: حُطَّ مِن عَطاء هذا ثلاثَمائة، وزدها فى عطاء هذا.

عَمرو بن حُمَمة الدَّوْسىّ (١). قَضَى على العرب ثلاثَمائة سنة، فكان يقول:

تقولُ ابْنَتِى لمَّا رأتْنِى كأنَّنِى ... سَلِيمُ أفاعٍ لَيْلُه غيرُ مُودَعِ (٢)

وما الموتُ أفْنانِي ولكنْ تَتَابَعَتْ ... علىَّ سِنُونٌ مِن مَصيفٍ ومَرْبَعِ (٣)

ثلاثُ مِئينٍ قد مَرَرْنَ كوَامِلًا ... وها أنا هذا أرْتَجِى مَرَّ أربَعِ

فأصبحتُ مِثلَ النَّسْرِ طارتْ فِراخُه ... إذا رام تَطْيارًا يُقالُ له قَعِ

أُخَبِّرُ أبناءَ القُرونِ التى مَضَتْ ... ولا بُدَّ يومًا أن يُطارَ بمَصْرَعِى


(١) أحد حُكّام العرب في الجاهلية، وأحد المتعمّمين بمكّة مخافة النساء على أنفُسِهم من جمالهم. واليمن تقول: إنه أول من قُرِعت له العَصا، وكان الرجل إذا كَبِر وخشى الذهول والغفلة، أمر مَن حولَه إذا أحسُّوا فيه غفلةً أو خطأ أن يقرعوا له العَصا تنبيهًا وإرشادًا، وضربت العرب بذلك المثل فقالت:
إنَّ العَصا قُرِعَتْ لذى الحِلْم
وقد اختلفوا فى أمر "عمرو بن حُمَمة" فذكر ابن دريد أنه وفد على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذكر غيره أنه مات فى الجاهلية، وهو الأكثر.
وزعم ابن حبيب أنه هو الذى كَسَر الصنم المسمّى "ذا الكَفَّين"، وكذلك قال ابن حزم، والصحيح أن الذى تولى ذلك بأمرٍ من النبىّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الطفيل بن عمرو الدَّوْسىّ.
وقد كشف هذا اللبسَ الواقدىُّ حين ذكر أن "ذا الكَفَّين"، هو صَنَم عمرو بن حُمَمة الدوسى، وأن الطفيل هو الذي تولَّى كَسْره. المغازى صفحات ٧، ٨٧٠، ٩٢٣. وانظر الأصنام ص ٣٧، والمحبَّر صفحات ١٣٧، ٢٣٢، ٣١٨، وجمهرة ابن حزم ص ٤٩٤، والمعارف ص ٥٥٣، والمعمّرين ص ٥٨، والاشتقاق ص ٥٠٥، ومعجم الشعراء ص ١٧ - وذكر أنه عاش ٣٩٠ سنة- ومجمع الأمثال ١/ ٣٩، والإصابة ٤/ ٦٢٥.
(٢) يقع اختلاف في رواية هذه الأبيات، أمْسَكْتُ عن ذِكره مخافة التطويل، فَيُلْتَمَس من المراجع التي ذكرتُها، وبخاصة معجم الشعراء للمرزباني.
(٣) فى الأصل: "ومرتع"، بالتاء الفوقية. والصواب ما أثبتُّ، وهو فى معجم الشعراء، والمربع: هو الرَّبيع. قال الحُطيئة:
أمِنْ رسمِ دارٍ مَرْبَعٌ ومصيفٌ ... لعينيك من ماء الشُّؤون وَكِيفُ
ديوان ص ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>