للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فحرْبٌ أنتم أم سِلْمٌ؟

قال: بل سِلْمٌ (١).

قال: كم أتَى لك؟

قال: خمسون وثلاثمائة سنة.

قال: فما أدْرَكْتَ؟

قال: أدركْتُ سُفُنَ البَحْرِ تُرْفَأُ إلينا فى هذا الجُرْف، ورأيت المرأة مِن الحِيرةِ تَضَع مِكْتَلَها على رأسها، لا تَزَوَّدُ إلَّا رغيفًا واحدًا حتى تأتىَ الشَّامَ، ثم قد أصبحت اليومَ خَرابًا (٢).

قال: ومعه سَمُّ ساعةٍ يُقلِّبُه فى كفِّه. فقال له خالد: ما هذا؟ قال: سَمٌّ. قال: وما تَصْنَع به؟ قال: إن كان عندك ما يُوافِقُ قومِى وأهلَ بلَدى حَمِدتُ الله وقبِلتُه، وإن كانت الأُخْرى لم أكن أوَّلَ مَن ساقَ إليهم ذُلًّا، أشْرَبُه وأستريح مِن الحياة، وإنما بَقِىَ من عُمْرى اليسير.

قال خالد: هاتِه، فأخذه وقال: بسم الله وباللهِ، رَبّ الأرض والسَّماء، الذى لا يَضُرُّ مع اسمه شئٌ. ثم أكله (٣)، فتَجلَّلَتْه غَشْيَةٌ، ثم ضَرَب بذَقَنِه


(١) بعد هذا فى المرجعين المذكورين: "قال: فما بالُ هذه الحُصُون؟ قال: بنيناها للسَّفيه حتى يجئَ الحليمُ فينهاه".
(٢) بعده فيهما: "وذلك دأبُ الله فى العباد والبلاد". وقد وقف الكلام فى البيان عند هذا الحَدّ. وذكر الميدانى من أول هذا الحِوار إلى قوله: "حتى يجئ حليم فينهاه" وذكر نظائر لهذا النمط من الكلام. مجمع الأمثال ٢/ ٧٢، ٧٣، وانظر أيضًا تاريخ الطبرى ٣/ ٣٤٥.
(٣) هكذا في الأصل، وأمالى المرتضى، والمعتاد فيمن يتعاطى السّمّ أن يقال: "شربه" ولكن قوله فيما سبق "يُقَلّبه فى كفِّه" يدلُّ على أنه مما يؤكل وليس مما يُشْرَب، مع أنه قد قال: "أشربه وأستريح من الحياة" وسيأتى قوله: "أكَلَ سَمّ ساعة". والذى ظهر أن "سَمّ ساعةٍ". هذا كان شيئًا معروفًا عندَهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>