للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مكتبة من المكتبات الخاصّة التي يُعْنَي أصحابها بجَمْع الكُتُب: وسترى في ذلك كلّه غلبةً ظاهرة لعلم التاريخ (١).

وتفسير هذا أن علم التاريخ عند المسلمين ليس هو فقط تلك الكُتُب الحَوْلِيّة، مثل تواريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير، أو كُتُب الأحداث العامة، مثل مروج الذهب، والتنبيه والإشراف للمسعودي، وإنما يدخل فيه، بل يمثل الجانبَ الأكبَر منه "فن التراجم"، وهو بحرٌ خِضَمٌّ.

على أنَّ "فن التراجم" عند المؤرِّخين المسلمين لا يُعْنَى فقط بذِكْر أحوال المترجَم: مولدًا ووفاةً، وشيوخًا وتلاميذَ، وعِلمًا وتصنيفًا، بل إنه غالبًا -وبخاصة في الموسوعات- يمتدّ ليشمل الحوادثَ والأحداث العامّة التي يكون العَلَمُ المترجَم قد شارك فيها، أو عاصَرَها، أو كان منها، أو كانت منه بسَبَب، بل إن بعض مصنِّفي كتب التراجم يعرض للحوادث والأحداث بدواعي الاستطراد ليس غيرُ، والاستطراد سِمةٌ من سِمات التأليف عند كثير من علمائنا ومؤرِّخِينا.

وعلى سبيل المثال فإن كتابًا مثل "طبقات الشافعية الكبرى" لتاج الدين ابن السُّبكي يضعه مصنِّفو العلوم في فنّ التراجم والطبقات، إذ كان مؤلفه قد أقامه على تراجم الفقهاء الشافعية منذ إمامهم محمد بن إدريس الشافعي في أوائل القرن الثالث، إلى منتصف القرن الثامن، ولكنّ النظر الصحيح يضعه في المكتبة العربية كلها، إذ كان مؤلّفه قد أداره على علوم كثيرة، بعد أن يفرغ من ترجمة الرجل على رسمها المعروف، ثم كان لأحداث التاريخ عنده النصيبُ الأوفي، فأنت تجد عنده أحاديث ضافية عن كائنة التَّتار، وقصَّة جنكيز خان وحفيده هولاكو، وعن حادثة الصَّليبيين (٢). وقُلْ مثل هذا في كثير من موسوعات كتب التراجم، مثل وفيات الأعيان لابن خلّكان، وسير أعلام النبلاء للذهبي، ونفح الطيب للمقّري.


(١) تأمَّل على سبيل المثال فهارس دار الكُتُب المصرية، وفهارس معهد المخطوطات.
(٢) انظر الطبقات ١/ ٣٢٨ - ٣٤٣، ٧/ ٣٤٤ - ٣٦٩، ٨/ ٢٦٨ - ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>