ولقد تَفَنَّن المؤرِّخون المسلمون في كُتُب التراجم تَفنُّنًا عجيبًا، وأخذت تصانيفهم في هذا الفنّ طرائق شتي، فبعد كتاباتهم الأولى في السِّيرة النبويّة والمغازي، جاءت تصانيفُهم مُوزَّعةً مفرَّقةً على تراجم الصحابة والتابعين، والقُرَّاء والمفسِّرين، والمحدِّثين والرُّواة، وفقهاء المذاهب الأربعة، والأصوليّين، والشيعة والمعتزلة، والزُّهَّاد والصُّوفية، والوعَّاظ والقُصَّاص والمذكِّرين، والأدباء والشعراء، واللغويّين والنُّحاة، والأطبّاء والحكماء والفلاسفة، والقضاة، والخلفاء والوزراء، والمؤرِّخين والنَّسّابين، وتراجم النساء.
ثم يأتيك هذا الفنُّ أيضًا في التراجم على البُلدان، مثل أخبار مكة والمدينة والقدس، ومصر واليمن وبغداد والموصل والشام وجرجان وأصبهان وإربل وواسط، والمغرب والأندلس، والكُتُب في هذين فيضٌ زاخر.
وكذلك في التراجم على القُرُون: كالدُّرَر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العَسْقلاني، والضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين السَّخاوي، وما جاء بعد ذلك إلى القرن الرابع عشر (١).
ثم تأتي التراجم العامّة -وهي كتب التاريخ عند بعض الناس ممَّن ليس عندهم كبيرُ عِلم، يظنّون أنها كتُبُ التاريخ، ولا كُتبَ للتاريخ غيرها- وهذه التراجم العامة على قسمين:
أ - التراجم المرتَّبة على السِّنين، وذلك في كتب التاريخ المعروفة بالحَوْليّات، كتاريخ الأمم والملوك للطبرى، والكامل لعز الدين بن الأثير، والمختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء الملك المؤيّد، صاحب حماة، والعِبَر في خبر من عَبر للذهبيّ، والسُّلُوك للمقريزي، والنجوم الزاهرة لابن تَغْرِي بَرْدي، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي.
(١) انظر هذه السِّلسلة من التراجم على القُرون في كتابي: الموجز في مراجع التراجم ص ٧٤، وانظر كتب التاريخ بمناهجها المختلفة في الوافي بالوفيات ١/ ٤٧، وما بعدها.