للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا كتابٌ ذكرتُ فيه أعمارَ الأعيان، فإنَّ مَن رأى كبيرَ القَدْر قد مات صغيرَ السِّنّ، أفاده ذلك ثلاثَ فوائدَ:

إحداها: شُكْرُ اللهِ تعالى، إذ أنْعَم عليه بالزِّيادة.

والثانيةُ: الانتباهُ للتأهُّب والتَّزوُّد خَوْفَ الاستِلاب.

والثالثة: التَّسَلِّى عندَ نُزُولِ الموتِ به.

ومَن رأى طاعِنًا فى العُمْر استفاد قُوَّةَ أملٍ للَبَقَاء، وبذلك تَقْوَى (١) النَّفْس، فلا تيأسُ مِن بُلُوغ ذلك المَدَى.

وربَّما قال قائلٌ: فالممدوحُ قِصَرُ الأَملِ.

فالجوابُ: أنَّ الحازِمَ لا يُعَوِّلُ على الأَمل، كيف وقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه (٢): "وَعُدَّ نَفْسَكَ مِن أهلِ القُبُورِ" (٣)، وقال ابن عُمَر: "إذا أصْبَحْتَ فلا تُحدِّثْ نَفْسَكَ بالمساءِ" (٤)


(١) فى الأصل: "يُقوى" بالياء التحتية المضمومة قبل القاف.
(٢) هكذا بدون "وسلّم" وهى طريقة لبعض الأقدمين، يكتفون بالصلاة فقط دون التسليم، وقد رأيتها فى أسلوب الشافعىّ، والحربىّ، وابن سَلَّام، والخطَّابىّ، والهروىّ، والخطيب البغدادىّ. وقد علقت على ذلك فى حواشى أمالى ابن الشجرى ٣/ ١٨٦، ويقع هذا أيضًا فى سَنَد الحديث: انظر على سبيل المثال: الزهد لابن المبارك ص ٢٦٧ - ٢٧١, لكنّ الإمام النّووىّ يقول: "ويُكره الاقتصارُ على الصلاة أو التسليم" تدريب الراوى ٢/ ٧٦، وحكاه عنه الحافظ ابن كثير فى تفسيره ٨/ ٤٦٩ (سورة الأحزاب).
(٣) هذا من حديث ابن عمر رضى الله عنهما، قال: "أخَذ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببعض جَسَدى، فقال: كن فى الدُّنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل، وعُدَّ نَفسك فى أهل القبور". عارضة الأحوذى بشرح صحيح الترمذى (باب ما جاء فى قِصَر الأمل. من كتاب الزهد) ٩/ ٢٠٣، وسنن ابن ماجة (باب مثل الدنيا. من كتاب الزهد) ص ١٣٧٨، ومسند أحمد ٢/ ٤١، وحلية الأولياء ١/ ٣١٣.
(٤) يروى: "إذا أمْسَيْتَ فلا تنتظر الصَّباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخُذ مِن صِحَّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك". وأخرجه البخارى موقوفًا على ابن عمر، فى كتاب الرّقاق (باب قول =

<<  <  ج: ص:  >  >>