للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} ، وإذا ضممنا إلى هذه الآيات الناهية عن الظلم تبيِّنَ لنا أهمية العدل في الإسلام، حتى يمكن أن يقال دون مبالغة بأنَّ الإسلام هو دين العدالة في كل شيء، إنَّ تأكيد الإسلام على معاني العدل وضرورة الالتزام به والنهي عن الظلم وضرورة تجنبه، تترتَّب عليه نتائج خطيرة، وذلك أنَّ المجتمع الذي يشيع فيه العدل يحسّ أفراده بالاطمئنان على حقوقهم؛ لأنَّ القانون يكون مع المحق وإن كان ضعيفًا، لا مع المبطل وإن كان قويًّا، وبعكس ذلك إذا شاع الظلم وندر العدل أحسّ الأفراد بالقلق الدائم على حقوقهم، وزال عنهم الاطمئنان والاستقرار، وكان ذلك إيذانًا بدمار هذا المجتمع، وقد أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أثر التفريط بالعدل، وكيف يؤدي بالأمة إلى الهلاك، فقد جاء في الحديث: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وتعليل هلاك الأمم بسبب الظلم أنَّ الظلم كالنار يحسّ بوطأتها المظلومون، فإذا شاع الظلم وغارت معاني العدل كثير الملظومون الذين لا يرون في هذ المجتمع حمايةً لهم ولا حفظًا لحقوقهم، وإما يرون فيه هضم حقوقهم، وهذا يجرّهم إلى عدم الاهتمام به وببقائه، وهذا قد يجرّهم حتى إلى المعاونة على هلاكه وإفنائه، وهذا بخلاف المجتمع العادل؛ حيث يحرص الأفراد على بقائه ورَدِّ الأعداء عنه؛ لأنهم يرونه كالبيت الذي يئويهم، فيكون هذا الحرب منهم عليه، وبذلك الجهد لبقائه سببًا لبقائه، ولهذا قيل: إن الدولة العادلة تبقى وإن كانت كافرة، وإن الدولة الظالمة تفنى وإن كانت مسلمة، ومن أجل هذا كله قد قام المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام على معاني العدل والالتزام به، فما كان هناك ظلم ولا محاباة ولا إجحاف، وإنما كان هناك العدل الصارم الذي يتساوى أمامه الشريف والوضيع.

والقانون الإسلامي الذي يخضع له الجميع الخليفة ومن عداه، وقد ترتَّب على ذلك أنَّ الضعيف كان معه المجتمع بكل قوته ما دام محقًّا، ولا يضيره ضعفه؛ لأنَّ قوة المجتمع والقانون معه، وكان القوي لا تغني عنه قوته ما دام مبطلًا؛ لأنَّ قوة المجتمع والقانون ضده، ولهذا كان أبو بكر -رضي الله عنه- يقول: "القوي منكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف منكم قوي حتى آخذ الحق له"، بل بلغت العدالة في المجتمع الإسلامي الأوَّل إلى حد الالتزام بالمساوة بين الخصوم في مجلس القضاء، حتى في نظرة

<<  <   >  >>