القاضي ونبرات صوته وكلامه، وفي قولٍ مأثور عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال لقاضيه أبي موسى الأشعري:"سوِّ بين الخصمين في مجلسك وإشارتك وإقبالك"، ولما كان العدل والالتزام به من مقومات النظام الاجتماعي الإسلامي، فإن أيَّة شفاعة أو جهد يبذل لتعطيل سريان العدالة أو للإنحراف بها عن مجراها المستقيم يُعتَبر مما لا يجوز في شرع الإسلام، ولهذا لما سرَقت المرأة المخزومية وأهمَّ الناس أمرها، سألوا أسامة بن زيد أن يستشفع لها عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فلما فعل ذلك غضب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال له:"أتشفع في حَدٍّ من حدود الله"؟! ثم خطب -صلى الله عليه وسلم- الناس وقال:"ما بال أقوام يشفعون في حَدٍّ من حدود الله، إنما أهلك الذين من قبلكم ... " إلى آخر الحديث الذي ذكرناها قبل قليل.
ثالثًا: العناية بالأسرة
١٤٢- الأسرة هي أساس كيان المجتمع؛ لأنَّ من مجموعها يتكوّن المجتمع، فهي بالنسبة له كالخلية لبدن الإنسان، ويترتَّب على ذلك أنَّ الأسرة إذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع، ولهذا اعتنى النظام الاجتماعي الإسلامي بالأسرة عناية كبيرة تظهر في الأحكام الكثيرة بشأنها، وأكثر هذه الأحكام وردت بها آيات القرآن الكريم يتعبَّد المسلمون بتلاوتها في صلاتهم وفي خارج صلاتهم، فضلًا عن الأحاديث النبوية الكريمة الواردة في موضوع الأسرة، وليس من شأننا هنا أن نفصِّل القول في أحكام الأسرة، فهذا أمر يطول ولا تتسع له دراستنا ولا هو مطلوبنا، وإنما يكفينا أن نشير إلى معالم التنظيم الإسلامي في موضوع الأسرة، وهو من صميم النظام الاجتماعي في الإسلام.
أ: الزواج
١٤٣- الزواج هو السبيل الطبيعي لتكوين الأسرة وبقاء الجنس البشري، وقد رغَّب فيه الإسلام وجعله من سننه، فقد جاء في الحديث الشريف:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغَضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، والغرض من الزواج إيجاد النسل وتكوين الأسرة الصالحة، جاء في الحديث:"امرأة ولود أحب إلى الله من امرأة حسناء لا تلد، إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".