١٤٤- وقد شرع الإسلام للزواج إجراءات معينة تشريفًا وتكريمًا لهذه العلاقة؛ علاقة الزواج، وأوّل هذه الإجراءات الخطبة، أي: طلب الرجل المرأة للزواج بالطرق المعروفة عند الناس، إذا كان من الجائز شرعًا أن يتزوجها، والغرض منها أن يعرف كلٌّ من الرجل والمرأة عن الآخر ما يجعله يقدم على النكاح أو يحجم عنه، ولهذا أباح الإسلام للخاطب أن يرى مخطوبته، ولكن لا يجوز الخلوة بها؛ لأنها لا تزال أجنبية عنه، والخلوة بالأجبنية حرام؛ لأن الخِطبة وعدٌ بالزواج وليس بعقد زواج، والمرغوب فيه في شرع الإسلام تخيُّر المرأة الصالحة، كما أن على المرأة أن تتخير الرجل الصالح، فإن صلاح الشخص وتقواه وخلقه أرجح في ميزان الشرع مما عدا ذلك من كثرة المال أو المنصب أو الجاه، وفي الحديث الشريف:"تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك"، والمرأة ذات الدِّين لها تأثير كبير جدًّا في صلاح الأسرة وتربية أبنائها على معاني الإسلام وحسن الأخلاق، ولذلك وجَّه أعداء الإسلام غارتهم على المرأة المسلمة لاستئصال ما في نفسها من معاني الخير والدين.
فإذا حصل الاتفاق أفرغ في عقد النكاح الشرعي القائم على الإيجاب والقبول، والمتضمِّن رضى الطرفين بحضور شهود عدول، تكريمًا لهذا العقد وتمييزًا له عن السفاح، ويستحب أن يكون المهر قليلًا لا كثيرًا؛ لأنه ليس ثمنًا للزوجة، ولكنه رمز التكريم للمرأة في عقد النكاح، وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على استحباب عدم المغالاة في المهر، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"خير الصداق -أي المهر- أيسره"، "أخف النساء صداقًا أعظمهنَّ بركة"، والواقع أن شيوع عادة المغالاة في المهور يجعل الراغبين في الزواج قلة، ويبقى الكثيرون عازفين عنه لعدم قدرتهم عليه، وهذا العزوف عن الزواج يجرُّ إلى مفاسد لا تخفى، والحقيقة أنَّ الإسلام بسَّط إجراءات النكاح وسهَّل الوصول إليه، فعقد النكاح يتمّ بإيجاب وقبولٍ كما قلنا، ولا يشترط له إجراءات شكلية معينة ولا تراتيل دينية ولا لغة معينة ولا مكان معين، وإنما يشترط له مع الإيجاب والقبول موافقة ولي المرأة؛ لأن عقد النكاح لا يهمّ المرأة وحدها، بل يهمّ وليها وعائلتها، والضرر الذي يحلقها بسبب سوء اختيارها ينسحب إلى عائلتها