١٧٩- وإذا قلنا بأنَّ الاجتهاد يتجزأ، وهذا ما نرجِّحه، بحيث يكون المسلم مجتهدًا في بعض المسائل دون بعض، فإنه فيما يقدر عليه من الاجتهاد ينزل منزلة المجتهد المطلق، فلا يجوز له سؤال غيره وتقليده فيما يفتيه به، أمَّا فيما يعجز عن الاجتهاد فيه فإنه ينزل منزلة غير المجتهد، فيجب عليه الاستفتاء أو يجوز كما سنبينه فيما بعد.
الصنف الثاني: مَنْ يجب عليهم الاستفتاء
١٨٠- يجب الاستفتاء على كلِّ من لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد ووجب عليه معرفة الحكم الشرعي، فشروط وجوب الاستفتاء شرطان:
الشرط الأول: أن يكون غير مجتهد، سواء كان بسبب ذلك عجزه عن الاجتهاد لعدم استعداده له وعدم قدرته عليه، أو لعدم الملكة الفقهية فيه، أو لعدم تفرغه لطلب العلم حتى يصل إلى مرتبة الاجتهاد، أو لأي سبب آخر.
الشرط الثاني: وجوب معرفة الحكم الشرعي، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص، فمَن بلغ عاقلًا لزمه أن يعرف أحكام الصلاة وكيفية أدائها وشروطها.
وإذا دخل عليه رمضان وجب عليه أن يعرف أحكام الصيام، وإذا صار عنده مال وبلغ النصاب وجب عليه أن يعرف أحكام الزكاة، وإذا استطاع الحج وجب عليه أن يعرف أحكام الحج، ومن نزلت به نازلة وجب عليه أن يعرف حكمها، ومن باشر التجارة والبيع والشراء وجب عليه أن يعرف أحكام هذه المعاملات، وهكذا. والأصل الجامع في هذا الشرط هو: كل من لزمته معرفة حكم شرعي معين وجب عليه أن يسأل أهل العلم عنه من يعرفه، أمَّا ما زاد على ذلك من معرفة تفاصيل الشرع فهو من الأمور المندوبة في حق الفرد، وإن كان من الفروض الكفائية في حق الأمة؛ إذ لا بُدَّ أن يوجد في الأمة من يعرف تفاصيل الشرع مع بلوغه رتبة الاجتهاد ليفتي الناس فيما يحتاجون إليه من أمور الدين.
١٨١- والخلاصة: فإنَّ العامي يجب عليه استفتاء العلماء فيما يلزمه من تكاليف الشرع؛ ليعرف كيف يؤدي هذه التكاليف على الوجه المشروع.