للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} ١.

٢٣- والعبادة لله تقوم على الحب الخالص لله مع الذلِّ الكامل له، ومظر ذلك توجيه العبد إلى الله تعالى بالتوكل عليه، والثقة به، والخوف منه، والإنابة إليه، والطلب منه، والأنس بذكره، والفرار إليه، ونشاط الجوارح بتنفيذ شرعه وأقامة دينه، والانصباغ بصبغته، وإيثار محبته وطاعته، وجعل السلوك والأقوال والأفعال وسائر الأحوال على الوجه المرضي عند الله، وبهذا كله يحقق المسلم معنى أشهد أن لا إله إلا الله بالقول والعمل، فيكون صادقًا في شهادته.

٢٤- وتزداد معاني العبودية ويرسخ أصلها ويعظم أثرها بقدر علم العبد بمدى فقره وحاجته إلى الله، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، ويزداد حب العبد لله وخضوعه له بقدر معرفته بكمال الله وعظيم نفعه ونعمه عليه، وتفكره في آلائه التي لا تُعَدُّ ولا تحصى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ، وفي تفكره في صفاته ومعاني أسمائه الحسنى.

٢٥- وبقدر امتلاء القلب بمعاني العبودية يحترز من عبودية غير الله تعالى، حتى يصبح عبدًا خالصًا لله، وهذه أسمى درجة ينالها الإنسان، ولذلك وصف الله تعالى رسوله الكريم بوصف العبودية في أرفع منازله، وصفه بها في مقام تنزل الوحي عليه، وحين الدعوة إليه، وحين أسري به -صلى الله عليه وسلم- وعرج به إلى السماء، قال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} ، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} .

ثانيًا: توحيد الربوبية

٢٦- كلمة الرب تدل على جملة معاني منها: السيد ومالك الشيء وموجده والمتصرِّف فيه، والمربِّي لغيره، والمتكفل بمصلحة الإنسان، وصاحب السلطان والسيادة، النافذ أمره في غيره. ومعاني الربوبية هذه وما تتضمَّنه أو تستلزم من معاني أخرى لا يوصف بها ولا يمكلها على وجه الحقيقة والكمال إلّا الله تعالى، وأمَّا غيره فهو مربوب لله، وإذا وجد فيه شيء من معاني الربوبية فعلى وجه المجاز والعارية، فإن كل ما سوى


١ سورة الأعراف: الآية: ٦٥.

<<  <   >  >>