الله مخلوق لله، منه يستمد وجوده وبقاءه، وكل ما عنده من صفات الكمال المناسبة للمخلوق، الله تعالى هو رب العالمين على وجه الحقيقة، فلا ربَّ سواه، فهو الخالق المحيي المميت النافذ أمره وحكمه في جميع خلقه، بيده الملك وهو على كل شيء قدير، يتصرَّف في الكون كما يشاء، لا معقب لحكمه ولا لتصرفه، وهو القائم على شئون خلقه، والمتكفل بما يصلحهم، وهو القادر على النفع والضرر، إذا أراد نفعَ أحد فلا رادَّ لفضله، وإن أراد بأحدٍ غير ذلك فلا مانع له من ذلك، قال تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} ١ فالله تعالى هو المتفرِّد بالعطاء والمنع والنفع والضر، وكل ما عدا الله فإنَّه فقير إليه محتاج إليه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} ، فالفقر وصف ذاتي لكل مخلوق، كما أن الغني وصف ذاتيّّ لله رب العالمين.
دلائل توحيد الربوبية:
٢٧- والدلائل الدالة على ربوبية الله وتفرُّدِه بها وعدم مشاركة أحد له فيها كثيرة جدًّا، فما من شيء في الكون من أصغر ذرة إلى أكبر جرم إلّا وهو يشهد أنَّ الله هو رب العالمين، وبالتالي فهو الإله الحق للعالمين. إنَّ هذا الكون العجيب الغريب المتناسق المنظَّم يقول بلسان الحال: إن له خالقًا عظيمًا هو الله تعالى، وإنَّ العقل السليم لا يمكنه أصلًا أن يتصوَّر أن هذا الكون وُجِدَ بلا موجد، وحدث بلا محدث، فإنَّ قبول هذا التصور مخالف لأي عقل سويّ. إن عقولنا تأبى قبول قول من يقول: إن هذا حدث "صدفة"، بأن أثَّرت الأمطار في جبلٍ فحفرت فيه حفرًا صارت غرفًا، وأنّ عقلنا يرفض من يزعم أنَّ هذا الكتاب حدث بفعل تجمع الحديد وإنصهاره بفعل الحرارة، ثم تشقَّقَ الحديد المنصهر فصار حروفًا، ثم تجمعت الحروف ووقعت عليها مادَّة سوداء، ثم حصلت عجينة الخشب بسبب سقوط الأشجار وبفعل الأمطار، ثم جفَّت وصارت صحائف، فجاءتها ريح وضعتها على الحروف، ثم إنَّ هذه الحروف انطبعت على الصحائف بعد تغيِّر ترتيبها بعد طبع كل صحيفة بفعل