ولا خلاف بين العلماء في أنَّ المجتهد المطلق أهل للإفتاء، وأنه يصلح أن يكون مفتيًا.
ثانيًا: المجتهد في مذهب معين
٢٠٨- ولهذا المجتهد أربعة أحوال، ولكلِّ حالة حكمها، كما قال العلماء:
الحالة الأولى: أن يتبع إمام مذهبه في مناهج البحث والاستدلال والاستنباط، ولكن لا يقلده فيما وصل إليه هذ الإمام باجتهاده من أحكام تفصيلية، ولمثل هذا المجتهد الحق في أن يكون مفتيًا. ومن هذا النوع الإمام أبو يوسف والإمام محمد صاحبا أبي حنيفة -رحمهم الله تعالى جميعًا، والقاضي أبو يعلى الحنبلي في المذهب الحنبلي، والمزني وابن سريج في المذهب الشافعي.
الحالة الثانية: أن يكون مجتهدًا في مذهب إمامه مستقلًّا بتقريره بالدليل، ولكن لا يخرج على أصول إمامه وقواعده مع قدرته على التخريج والاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول التي قررها إمامه، ولصاحب هذه الحالة الأهلية لِأَنْ يكون مفتيًا، ويعتبر مستفتيه مقلدًا لإمامه وليس مقلدًا له؛ لعدم استقلال هذا المجتهد المفتي بتصحيح نسبة من يقوله إلى الشرع الشريف رأسًا بلا واسطة إمامه، ولكن قد يكون لهذا المجتهد نوع من الاستقلال بالفتوى، كما في إفتائه في مسألة لا يجد لها حكمًا منقولًا عن إمامه، فيفتي عن طرق التخريج على مذهب إمامه، والتفريع على أقواله في المسائل المشابهة لهذه المسألة التي يفتي فيها، ولكن هل ينسب ما يقوله هذا المجتهد في فتواه إلى إمامه، فيكون من مذهب هذا الإمام، أم أنه ينسب إلى المجتهد نفسه، ويعتبر من قوله واجتهاده؟ فيه خلاف، والظاهر أنَّه تصح النسب إلى الاثنين، ولكن باعتبارين، فينسب القول إلى إمام مذهبه باعتباره مخرجًا على أصول هذا الإمام، وعلى هذا يكون المستفتي مقلدًا لهذا الإمام، كما يمكن نسبة ما يقوله هذا المفتي إلى نفسه باعتبار أنه هو الذي قام بالإفتاء، وإن كان عن طريق التخريج على أصول إمامه، وعلى هذا يكون المستفتي مقلدًا لهذا المجتهد فيما يفتيه به غير مقلد لإمامه.
الحالة الثالثة: أن لا يصل المجتهد إلى مرتبة أصحاب الحالة الثانية، وإنما يقف عند رتبة أصحاب الوجوه والتخريج في المذهب، مع حفظه لفقه مذاهب إمامه ومعرفته