٢٢٩- ومن لم يكن مجتهدًا وكان عند كتب الحديث وشروحه وأقوال الصحابة، فهل له أن يفتي بما يجده في هذه الكتب أم لا؟ قال عبد الله: سألت أبي -أي: الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- عن الرجل تكمن عنده الكتب المصنّفة، فيها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم، واختلاف الصحابة والتابعين، وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك، ولا بالإسناد القوي من الضعيف، فهل يجوز له أن يعمل بما شاء، ويتخيِّر ما أحبَّ مما يجده في الكتب فيفتي ويعمل به؟ قال -أي: الإمام أحمد بن حنبل: لا يعمل حتى يسأل أهل العلم عمَّا يأخذ به منها، حتى يكون علمه على وجه صحيح.
هل يشترط إذْنُ الإمام للقيام بالإفتاء:
٢٣٠- من كان أهلًا للإفتاء وعيِّن مفتيًا فلا خلاف في جواز الإفتاء له، بل ووجوبه عليه؛ لأنه ما عُيِّن إلّا لذاك، أمَّا من كان أهلًا للإفتاء ولم يعيِّن مفتيًا، فله أن يفتي دون حاجة لإذن مسبَّقٍ من ولي الأمر؛ لأنّ الإفتاء إخبار عن شرع الله، وتبليغ لأحكامه، فهو إذًا من الواجبات الدينية بالنسبة للقادرين عليه، ولا يشترط للقيام بالواجب الديني أخذ الإذن من ولي الأمر، وإن كان ولي الأمر حق مراقبة القائمين بالإفتاء، ولكن حقه هذا في المراقبة لا ينسحب إلى وجوب أخذ الإذن المسبَّق منه للقيام بالإفتاء، وما علمنا أحدًا كان يأخذ الإذن من الإمام أو من ولي الأمر قبل أن يفتي الناس، كما لم نعلم أن أحدًا من أهل العلم قال: إنَّ الإفتاء مقصور على من يعينهم ولي الأمر مفتين.
التصدي للإفتاء:
٢٣١- وإذا كان إذن الإمام أو ولي الأمر ليس شرطًا لثبوت حق الإفتاء للمسلم كما قلنا، إلّا أنه يجب على من يتصدَّى للإفتاء أن يتأكَّد من أهليته له، ولا يتسرَّع في الوثوق من أهليته وكفاءته، ومن سُبل التأكد من أهليته شهادة أهل العلم له بالأهلية، بالإضافة إلى ما يعرفه من نفسه، قال الإمام مالك: لا ينبغي للعالم أن يفتي حتى يراه الناس أهلًا لذلك، ويرى هو نفسه أهلًا لذلك، وقول الإمام مالك: "حتى يراه الناس