للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القاعدة الأولى:

٣١٨- الإنكار القلبي يجب أن يكون كاملًا ودائمًا وبالنسبة لكل منكر.

وفائدته بقاء القلب في حساسيته ضد المنكر، وبقاء عزمه على التغيير عند الإمكان، أمَّا الإنكار القولي أو الفعلي فيكون حسب الاستطاعة، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ، وما جاء في الحديث الشريف الذي ذكرنا: "من رأى منكم منكرًا فليغيره.... إلخ "، ويلاحظ هنا أنَّ الثواب يكون كاملًا -إن شاء الله تعالى- إذا كان المحتسب ينكر المنكر بقلبه، ويكرهه كراهية تامَّة، ويفعل لازالته بقدر استطاعته.

القاعدة الثانية:

٣١٩- إنما يطلب الاحتساب إذا كان من ورائه تحصيل مصلحة أو دفع مفسدة، فإذا كان ما يترتَّب عليه فوات معروف أكبر أو حصول منكر أكبر لم يكن هذا الاحتساب مطلوبًا شرعًا، وإن كان المحتَسَب عليه قد ترك واجبًا أو فعل محرَّمًا؛ لأن على المحتسب أن يتقي الله في عباده، وليس عليه هداهم، وليس من تقوى الله أن يتسبَّب باحتسابه في فوات معروف أكبر أو حصول منكر أكبر؛ لأن الشرع إنما أوجب الحسبة لقمع الفساد وتحصيل الصلاح، فإذا كان ما يترتب على الاحتساب مقدارًا من الفساد أكبر من الفساد القائم، أو يفوّت من الصلاح مقدارًا أكبر من الصلاح الفائت، لم يكن هنا الاحتساب مما أمر به الشرع، ولا شكَّ أنَّ ما قلناه يختلف باختلاف الاشخاص والأحوال والظروف، وعلى المحتَسِب أن يتبصَّر فيها ويزن مقادير المعروف والمنكر التي تنتج عن احتسابه، ثم يقدم بعد ذلك على احتسابه، أو يحجم عنه، وهذا كله بالنسبة للواقعة المعينة والشخص المعين، أما بالنسبة للعموم فهو يأمر بالمعروف مطلقًا، وينهى عن المنكر مطلقًا.

٣٢٠- وبناءً على هذه القاعدة نستطيع أنْ نفهم لماذا قال العلماء: لا يجوز الخروج على السلطان بالقوة وحمل السلاح وإن ظهر منه شيء من الفسوق؛ لأن الغالب في هذا الخروج حصول مفاسد أعظم من مفسدة فسقه، وحيث كانت المفسدة أعظم لم يجز الاحتساب، كما أنَّ الإمام لا يزال في دائرة الإسلام ولم يخرج منه بفسقه، فيبقى له حق الطاعة على الرعية ما لم يأمر بمعصية، فلا يستوجب الاحتساب عليه بالقوة وحمل السلاح وإحداث الفتنة والاقتتال بين المسلمين.

<<  <   >  >>