٣٢١- الأخذ بالرفق ما أمكن ذلك، ومستند هذه القاعدة ما يأتي:
أ- الحديث النبوي الشريف:"إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف.
ب- إنَّ الإنسان بطبيعته وما فُطِرَ عليه يقبل الأمر والنهي باللطف والرفق ولين القول أكثر من قبوله عن طريق العنف، بل ربما حمله العنف على الإصرار على المنكر مراغمةً للآمر وعنادًا له، وربما دَلَّ على ما نقول قول الله تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ، مع أنَّه -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر إلّا بالمعروف، ولا ينطق إلّا بالحق.
جـ- إنَّ الاحتساب المثمر هو الذي يجعل المحتَسَب عليه قابلًا للاحتساب راضيًا به، مقتنعًا بضرورته ومضمونه، حتى يكون له من نفسه وازع يمنعه من العودة إلى المنكر، وهذا كله يحتمل حصوله بقدر أكبر إذا كان الاحتساب بالرفق وعدم الغضب والعنف، وبالمحاجَجَة والمناقشة الهادئة المقنعة، جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- عن أبي أمامة أنَّ غلامًا شابًّا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله، أتأذن لي في الزنى؟ فصاح الناس به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:"قرِّبوه، ادن" فدنا حتى جلس بين يديه، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام:"أتحبّه لأمك"؟، فقال: لا، جعلني الله فداك، قال:"كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك"؟ حتى ذكر -صلى الله عليه وسلم- العمّة والخالة، والغلام يقول في كل واحدة: لا، جعلني الله فداك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:"كذلك الناس لا يحبونه"، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على صدره وقال:"اللهم طهِّر قلبه، واغفر ذنبه، وحصِّن فرجه"، فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنى.
د- الاحتساب يجري على السلطان كما قلنا، والسلطان بحاجة إلى التلطُّف معه لما يحسّ من نفسه من سلطة؛ ولأنه محتاج إلى الهيبة، وقد يتطاول عليه المغرضون بحجة الاحتساب، فمنعًا لذلك ومراعاةً لما يحسّ هو من نفسه، كان الرفق معه في الاحتساب هو المطلوب، وبهذا أشار الفقهاء، ويقاس على السلطان نوَّابه وولاة الأمور، وقد يدل على ما قلناه أو يؤيده أنَّ الله تعالى أمر نبيه موسى -عليه السلام- وأخاه هارون وقد