كما يستحب الاحتساب إذا علم المحتسب أن إنكاره يفيد ولكن يلحقه أذى.
ووجه الاستحباب إزالة المنكر مع تَحمُّله الأذى، وحتى إذا علم المحتَسِب أنَّ احتسابه لا يفيد المحتَسَب عليه ولا يمنعه من منكره، ولكن احتسابه يفيد من ناحية أخرى؛ كأن تقوى به قلوب المؤمنين وتنكسر أو تضعف شوكة الفاسقين، أو يمهد لإزالته، ففي هذه الأحوال يصير مستحبًّا برغم الأذى الذي يناله ما دام يتحمله، ولا يتعدَّى إلى غيره.
متى يحرم الاحتساب:
٣٢٧- ويحرم الاحتساب إذا لحق المحتسب من جرَّائه أذًى جسيمًا بغيره من أصحابه أو أقربائه أو رفقائه أو عموم المسلمين، حتى ولو قدَّرنا زوال المنكر؛ لأنه يفضي إلى منكر آخر، هو إلحاق الأذى بالآخرين، وهذا لا يجوز؛ لأن للمسلم أن يتسامح في حق نفسه ويتحمَّل الأذى، ولكن ليس من حقه أن يتسامح في إيذاء غيره عن طريق احتسابه، وكذلك يحرم الاحتساب إذا أدَّى إلى وقوع منكر أكبر من المحتَسَب عليه من لحوق الأذى بالآخرين، وكذلك يحرم الاحتساب إذا لم يكن من ورائه إلّا إلحاق الأذى الجسيم بنفسه؛ كقتله أو هتك عرضه دون أن يكون لاحتسابه أيّ مصلحة، أو أيّ أثر في إزالة المنكر ورفعه.
٣٢٨- والأذى المخوف من جرَّاء الاحتساب، وبالتالي ينقله إلى الاستحباب أو الحرمة على النحو الذي بيناه، هو الأذى الذي يتحقَّق به زوال ما هو حاصل للمحتسب أو لغيره من سلامة وعافية في جسمه أو عرضه أو حريته أو ماله، وليس هو خوف امتناع حصول هذه الأشياء له؛ لأن الضرر الحقيقي هو فوات شيء موجود فعلًا من هذه الأشياء، وليس هو -أي: الضرر- امتناع حصولها، وعلى هذا فالضرب الشديد المؤلم والجرح وهتك العرض وإتلاف عضو من البدن أو إزهاق الروح أو التعذيب الشديد أو السجن الشديد، كل هذا ونحوه يعتَبَر من الأذى الذي ينقل الاحتساب من الوجوب إلى الاستحباب أو الحرمة على النحو الذي فصَّلناه.
الشرط في مباشرة الاحتساب:
٣٢٩- من لمعلوم أنَّ القاضي لا يباشر النظر في حقوق الناس ودعاويهم إلّا إذا