للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رفعوها إليه، فالشرط في نظر القاضي فيها هو رفع الدعوى، فهل يشترط للمحتَسِب لمباشرة احتسابه رفع المنكر إليه من قِبَلِ مَنْ وقع عليه هذا المنكر أو شاهده؟ الجواب على ذلك: إن كان الاحتساب يتعلّق بحقٍّ خاصٍّ توقَّف نظر المحتسب فيه على طلب صاحب الحق وإعلامه بحقه، ووجّه الاعتداء عليه، وليس للمحتسب أن يتدخَّل فيه من تلقاء نفسه؛ لأن المحتسب إنما يتدخل في منكر ظاهر، وقبل رفع صاحب الحق ظلامته إليه لا يكون ظاهرًا، ولكن بعد إعلامه به يصير ظاهرًا، فيحقّ للمحتسب النظر فيه والاحتساب فيه، فإذا رفع إليه المنكر المتعلق بحق خاصٍّ كان على المحتسب أن يثبت من وجوده بطريق المشاهدة أو بإقرار المعتدي، أمَّا عند الخفاء والإنكار والجحود ممن نسب إليه الاعتداء فلا يتدخَّل المحتسب؛ لأنه لا يسمع بينة كما قلنا من قبل، ولا يوجه يمينًا عند الإنكار، ولا يتجسس.

أمَّا إذا كان الاحتساب في حقٍّ من حقوق الله تعالى، أو يغلب فيه حقّ الله، أو كان في حقٍّ عام يتعلق به نفع الناس؛ كاعتداء على مرفق عام، فإنَّ الاحتساب حينئذ يقوم على المشاهدة والعلم الشخصي المستند إلى قيام المنكر ووجوده.

الاحتساب في الوقت الحاضر:

٣٣٠- يمكن لولي الأمر المسلم في الوقت الحاضر أن ينظم شئون الحسبة على النحو الذي يتحقق المقصود من الاحتساب، وأن يتخذ ما يلزم لذلك، فله أن يفتح المدارس لتخريج المحتسبين الأكفاء، كما له أن ينظم شئون الحسبة بين المحتسبين، فيعيِّن لأمور المساجد محتسبين، وللأسواق محتسبين، ولمنكرات الطرق محتسبين، وهكذا، كما له أن يرسل بعضهم إلى القرى والأرياف لتعليم الناس أمور دينهم؛ لأن الغالب عليهم الجهل.

أما إذا لم يقم وليّ الأمر بما ذكرنا، جاز أو وجب على المسلمين القيام بمهمة الاحتساب، وتهيئة المحتسبين والإنفاق عليهم، على أن يقوموا بالاحتساب في حدود الوعظ والإرشاد والتذكير فقط، دون استعمال العنف؛ لئلَّا يؤدي ذلك العنف إلى الفوضى والفتنة، مما يجعل المغرضين يستغلون ذلك ويتقولون بالباطل على الحسبة والمحسبين، وتأليب ولاة الأمر على المحتسبين.

<<  <   >  >>