للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوب نصب الخليفة:

٣٣٦- يقول الإمام ابن تيمية: "يجب أن يعرف أنَّ ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدِّين، لا قيام للدِّين إلّا بها"١، وهذا حق، فنصب الخليفة الذي يتولَّى الحكم وإدارة شئون الناس من فرائض الإسلام التي دَلَّ عليها القرآن والسنة والإجماع وطبيعة أحكام الشريعة الإسلامية.

أولًا: فمن الكتاب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، وأولو الأمر هم الأمراء، وأدخل بعضهم في مفهوم أولي الأمر العلماء أيضًا٢.

ثانيًا: ومن السنة القولية، الحديث الشريف: "...... ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، أي: بيعة للإمام، وهذا صريح في الدلالة على وجوب نصب الخليفة، وفي حديث آخر: "لتنقض عرى الإسلام عروة عروة، وأولها نقضًا الحكم، وآخرها الصلاة"، والمقصود بالحكم: الحكم على المنهج الإسلامي، ويدخل فيه بالضرورة وجود الخليفة الذي يقوم بهذا الحكم، ونقضه يعني التخلي عنه وعدم الالتزام به، وقد قرن بنقض الصلاة وهي واجبة فدلَّ على وجوبه.

ثالثًا: ومن السنة الفعلية، أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقام أول دولة إسلامية في المدينة بعد أن مهَّد لها وهو في مكة، وصار هو -صلى الله عليه وسلم- أوّل رئيس لتلك الدولة الإسلامية التي قامت في المدينة، وما معاهدته -عليه الصلاة والسلام- مع يهود المدينة ثم مع غيرهم، إلّا من مظاهر السلطان الذي أخذ يباشره بصفته رئيسًا لدولة الإسلام، وقد أدرك الفقهاء اجتماع صفة الإمام -الرئاسة- مع صفة النبوة في شخص الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم، وبيِّنُوا حكم ما يصدر عنه بهذه الصفة أو بتلك٣.

رابعًا: الإجماع، قال الفقهاء: نصب الخليفة واجب بالإجماع، فمن أقوالهم هذه، ما قاله الماوردي الشافعي، وأبو يعلى الحنبلي: "عقد الإمامة لمن يقوم به في الأمة واجب بالإجماع"٤، ويفصِّل ابن خلدون فيقول في مقدمته: "إنَّ نصب الإمام


١ السياسة الشرعية لابن تيمية ص١٣٨.
٢ أحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٣١٠، وتفسير القرطبي ج٥ ص٢٥٩.
٣ الفروق للقرافي ج١ ص٢٠٧، ٢٠٨.
٤ الأحكام السلطانية للماوردي ص٣، الأحكام السلطانية لابن يعلى الحنبلي ص٣.

<<  <   >  >>