للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واجب، فقد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأنَّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر -رضي الله عنه، وإلى تسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كلِّ عصر من الأعصار، واستقرَّ ذلك إجماعًا دالًّا على وجوب نصب الإمام١، وحكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإمامة، وقال: "لم يخالف في هذا إلّا فرقة من الخوارج هي النجدات، فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمام، إنما عليهم أن يتعاطوا الحب بينهم"، ثم قال ابن حزم: "وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد"، ثم أخذ يسرد الأدلة على إثبات وجوب الأمامة والرَّد على هذه الفرقة٢.

والواقع أنَّ قول النجدات لا يعوَّل عليه، فإنَّ الأدلة تخالفه؛ لأنَّ الإسلام يوجب التأمير في أقلّ الاجتماعات، فكيف بأكثرها، جاء في الحديث: "لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلّا أمَّروا أحدهم"، وفي رواية في سنن أبي داود: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم"، ويقول الإمام ابن تيمية تعليقًا على هذين الحديثين: "فإذا كان قد أوجب في أقلِّ الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولَّى أحدهم، كان هذا تنبيهًا على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك"٣.

خامسًا: إنَّ كثيرًا من أحكام الشريعة يحتاج تنفيذها إلى قوة وسلطان، مثل أحكام الجهاد، وإقامة الحدود والعقوبات، وإقامة العدل بين الناس، فلا بُدَّ من نصب الإمام حتى يمكن تنفيذ هذه الأحكام، وقد أشار إلى هذا المعنى ابن تيمية إذ يقول: "ولأنَّ الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحج والجُمَع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتمّ إلا بالقوة والإمارة"٤.

من يملك حق انتخاب الخليفة:

٣٣٧- والأمّة هي التي تملك حق نصب الخليفة قيامًا منها بهذا الواجب الشرعيّ الذي خوطب به المسلمون، كما سنذكره، يدل على ذلك ما جاء في المغني: "من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته"٥، ومعنى ذلك أنَّ الأمَّة


١ مقدمة ابن خلدون ص١٩١.
٢ الملل والنحل لابن حزم ج٤ ص٨٧.
٣ فتاوى ابن تيمية ج٢٨ ص٦٥، ومثل هذا ورد في كتابه السياسة الشرعية ص١٢٩.
٤ السياسة الشرعية لابن تيمية ص١٣٩.
٥ المغني لابن قدامة الحنبلي ج٨ ص١٧.

<<  <   >  >>