للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النهوض بمهام رئاسة الدولة وهي كثيرة وجسيمة، ولا نريد أن نكثر من ذكر الحجج والأدلة فيما ذكرناه من قول الله تعالى وقول رسوله تكفينا، وتكفي من يؤمن بالله واليوم الآخر وبالإسلام دينًا، ومن يجد في نفسه شيئًا من ذلك نقول له: أمامك دول العالم في الماضي والحاضر، فامسك قلمًا واحص عدد النساء اللاتي تولَّيْن رئاسة الدولة، وعدد الرجال الذين تولَّوا رئاسة الدولة، ثم قارن بين العددين، تر ضآلة نسبتهنَّ إلى نسبتهم في ولاية رئاسة الدولة، مما يدل على أنَّ الناس بتجربتهم يعرفون أنَّ رئاسة الدولة لا يصلح لها إلّا الرجال، وأنَّ من صار منهنَّ في منصب رئاسة الدولة إنما كان نادرًا ولظروف استثنائية.

ثالثًا: أن يكون جامعًا للعلم بالأحكام الشرعية؛ لأنه مكلف بتنفيذها، ولا يمكنه التنفيذ مع الجهل بها، والعلم قبل العمل، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} ، واشترط بعض الفقهاء الاجتهاد، ولم يكتفوا بمجرَّد العلم عن طريق التقليد.

رابعًا: وأن يكون عدلًا في دينه، لا يُعْرَف عنه فسق، متقيًا لله، ورعًا، عارفًا بأمور السياسة وشئون الحكم، جريئًا على إقامة حدود الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، شجاعًا ذا دراية بمصالح الأمة وسبل تحقيقها، مع حرص عليها وتقديمه لها١.

خامسًا: أن يكون من قريش؛ لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش"، وهذا حديث صحيح روي من غير وجه، واحتج به الفقهاء٢، والحكمة من هذا الشرط كما يقول العلَّامة ابن خلدون: إنَّ مقصود الخلافة يحصل بالاجتماع ووحدة الكلمة وترك النزاع وانقياد الأمة لرئيسها، وهذ يحصل إذا كان الخليفة ممَّن تسكن النفوس إليهم، ويعترف لهم بالفضل والتقدم، وهذا الاعتراف وذاك السَّكن كان متحققًا فيمن يُولَّى من قريش؛ لأن قريش كانت ذات قوة وشوكة، وتعترف لها العرب بالتقدم والفضل والزعامة، ولم ينازعوها في ذلك، مما يجعل أمر اجتماع الكلمة وحصول الطاعة لهم أقرب احتمالًا وأسهل منالًا من غيرهم، ولذلك جاء الحديث بالتنويه بهم، وأن


١ الماوردي ص٤، وأبو يعلى ص٤، ومقدمة ابن خلدون ص١٩٣.
٢ الملل والنحل لابن حزم والماوردي ص٤، وأبو يعلى ص٤.

<<  <   >  >>