للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أ- إقامة العدل بين الناس:

٣٧٣- أول مظهر لسياسة الدنيا بالدين الالتزامُ بالعدل في إدارة شئون الناس وعدم الحيدة عنه مطلقًا؛ لأنه هو الأساس الذي لا قيام لدولة بدونه، ولا بقاء لأمة بفقده، ولهذا كان من صفة عقد البيعة للإمام أن يقال فيها: "بايعناك بيعة رضًى على إقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة"١.

والعدل يتضمَّن إعطاء كل إنسان حقَّه وعدم ظلمه في شيء، فمن الظلم تكليفه بما لا يجب عليه شرعًا، أو أخذ ماله بغير وجه، أو منعه ما يستحق، وهذا ما أشار إليه الفقهاء، فالفقيه الماوردي يقول -وهو يعدد واجبات الإمام: "وجبابة الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًّا واجتهادًا من غير عسفٍ، وتقدير العطاء وما يستحق من بيت المال من غير سف ولا تقصير فيه، ودفعه في وقتٍ لا تقديم فيه ولا تأخير٢"، والعلَّامة ابن خلدون يوضِّح الظلم الممنوع فيقول: "ولا تحسبنَّ الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عِوَض ولا سبب، كما هو المشهور، بل الظلم أعمّ من ذلك، وكل من أخذ ملك أحد، أو غصبه في عمله، أو طالبه بغير حق، أو فرض عليه حقًّا لم يفرضه الشرع فقد ظلمه، فجباية الأموال بغير حقها ظلمة، والمنتهبون لها ظلمة، والمانعون لحقوق الناس ظلمة، ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران"٣، وعلى هذا يجب على الخليفة أن يقوم بما يلزم لتحقيق العدل ومنع الظلم، وأوَّل ما يلزمه في هذا الباب اختيار الموظَّفين الأكفاء والأمناء، والثاني: مراقبتهم.

٣٧٤- أمَّا اختيار الموظفين الأكفاء، فهذا شيء ضروري؛ لأن الخليفة لا يمكنه أن يباشر أمور الناس بنفسه؛ لأن ذلك فوق طاقته، بل ويستحيل عليه حتى لو أراده.

وإنما يباشر أمور الناس بواسطة نوَّابه، أي: الموظفين الذين يختارهم، فعليه أن يتخيِّر الكفء الأمين، ومرد الكفاءة إلى القدرة على ما يتولاه، ومرَدُّ الأمانة عدم التفريط


١ أبو يعلى ص٩.
٢ الماوردي ص١٢.
٣ مقدمة ابن خلدون ص٢٢٣.

<<  <   >  >>