بشئون ما ولِّي عليه من أمور، وقد أشار القرآن الكريم إلى قانون تولي الأمور الواجب مراعاته من كل حاكم وولي أمر، قال تعالى:{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} ، فإذا وفِّقَ الخليفة إلى حسن اختيار الموظفين الأكفاء الأمناء حكموا بالعدل وحفظوا حقوق الناس ومنعوا عنهم الظلم، وشعر الناس بالأمن والأمان والاطمئنان، وانكمش أولو الأطماع وأهل البغي، ولم يستطع قويٌّ أن يتعدَّى على ضعيف؛ لأن الدولة أقوى منه، ولم يخش الضعيف المحق من عدوان القوي؛ لأن الدولة مع المحق وإن كان ضعيفًا، وهذا كله يؤدي إلى كسب قلوب الناس وربطهم بالدولة وتعليقهم بالإمام، فيزداد حرصهم على بقاء دولتهم واستعدادهم للذود عنها؛ لأنها في نظرهم كالبيت لهم، وكالحارس لحقوقهم، أما إذا عيِّنَ الخليفة الموظفين العاجزين والفاسدين والخائنين، فإنَّ الناس سيكتوون بنار فسادهم وخيانتهم، ويقعون تحت ظلمهم وبغيهم، مما يضعف الدولة والولاء لها، ويزهِّدهم في الدفاع عنها، "ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران" كما قال ابن خلدون. ولا يشفع للخليفة عند الناس كرهه لتصرفات ولاته الظلمة الفاسدين؛ لأن الناس يحمِّلونه مسئولية أعمالهم؛ لأنه هو الذي ولَّاهم، ولهذا كله يجب الاهتمام الكامل باختيار الموظفين الأكفاء الأمناء، وبدون ذلك يقع المحذور الذي أشرنا إليه، ولا يدفعه كون الخليفة بنفسه صالحًا، وقد أشار الفقهاء إلى واجب الخليفة في اختيار الموظفين الأكفاء، فقال الفقيه الماوردي عند تعداد واجبات الإمام:"التاسع: استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء يما يفوضه إليهم من الأعمال، ويكله إليهم من الأموال؛ لتكون الأعمال بالأكفاء مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة"١.
٣٧٥- ولا يكفي أن يعين الخليفة الأكفاء الأمناء، بل عليه أيضًا أن يراقبهم في أعمالهم، فقد "يخون الأمين ويغش الناصح" كما يقول الفقهاء، وحتى إذا استبعدنا خيانتهم وغشهم، فلا يمكننا استبعاد خطئهم، وظلم الناس خطأ كظلم الناس عمدًا من جهة لحوق الضرر بالمظلوم وكرهه للظلم، فلا بُدَّ من المراقبة المستمرة والمحاسبة الدائمة للموظفين، حتى لا تقع خيانة ولا غش، ويقل الخطأ، ويعرف الناس شدة