للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحدي القرآن للمخالفين:

٣٧- إنَّ التحدي إذا ما نجح بعجز من وجِّه إليهم عن الإجابة عليه، فإنَّه يدل دلالة واضحة على صدق المتحدي، وصدق ما يدَّعيه لنفسه، كما يدل على بطلان دعوى من وجِّه إليهم هذا التحدي، ولكنَّ هذه الدلالة لا تتمّ إلّا إذا كان التحدي مستجمعًا الشروط اللازمة له، التي تؤدي إلى هذه الدلالة أو هذه النتيجة. فهل توفَّرت شروط تحدي القرآن لقريش، الذي جاء على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال، ما هي شروط التحدي؟ إنَّ هذه الشروط هي:

أولًا: أن يكون موضوع التحدي داخلًا في قدرة من وجِّه إليهم، بل ويكون داخلًا في اختصاصهم ومما هم بارعون فيه ومتفوقون فيه ومشهورون فيه، كما لو وجه مصارع تحديه إلى المصارعين بأنَّه هو البطل الوحيد في المصارعة، ومن يشك في ذلك فليتقدم إلى مصارعته، فموضوع التحدي هنا "مصارعة"، والمصارعة داخلة في اختصاص من وجِّه إليهم هذا التحدي وهم المصارعون.

ثانيًا: والشرط الثاني للتحدي أن يكون من وجِّه إليهم راغبين كل الرغبة، حريصين كل الحرص على إبطال دعوى المتحدي والإجابة على تحديه، فلا يكفي توافر الشرط الأوَّل لقيام التحدي السليم الموصِّل إلى نتيجة، فقد يكون من وجِّه إليهم غير راغببين ولا حريصين على إبطال دعوى المتحدي، وبالتالي يسكتون ولا يجيبون، فلا يدل سكوتهم على عجزهم، وبالتالي لا يدل على صدق دعوى المتحدي، كما لو كان بين المتصارعين من هو قادر على كسر تحدي المصارع المتحدي، ولكنه لا يرغب في ذلك؛ لأنه ابن للمتحدي أو أخوه أو صديقه، أو أن المتحدي يعتبر تافهًا في نظر من تحداهم، لا يستحق حتى الإجابة على تحديه.

ثالثًا: والشرط الثالث للمتحدي أن لا يوجد مانع من وجِّه إليهم التحدي من الإجابة عليه، وأقصد بالمانع هنا: مانع الخوف من المتحدي، الخوف من بطشه وقوته وقدرته على إلحاق الأذى بهم، فلا يكفي إذن توافر الشرطين السابقين لقيام التحدي الصحيح إذا لم يتوفَّر هذا الشرط الثالث، فلو تحدى شخص منازعيه ومخالفيه بأنَّه هو الوحيد الذي يحوز ثقة الشعب، وأن الشعب لا يختار غيره ولا يرضى بغيره بديلًا برئاسة الدولة، وهو يتحدى كل من لا يؤمن بهذا القول أن يرشح نفسه في

<<  <   >  >>