للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الانتخابات الجارية لانتخاب الرئيس، فإذا سكت الآخرون عن تحديه، ولم يرشح أحد نفسه خوفًا من بطشه وسلطانه وقوته؛ لأن بيده الأمر والنهي والحكم، فإن هذا السكون لا يدل على صحة ما ادَّعاه المتحدي لنفسه.

هذه هي الشروط الضرورية لاعتبار التحدي قائمًا فعلًا ومؤديًا إلى نتيجته، فهل هذه الشروط متوفرة في تحدي القرآن العلني للمشركين المعلَن على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

تحقق تحدي القرآن للمخالفين:

٣٨- إنَّ شروط التحدي التي ذكرناها كلها موجودة في تحدي القرآن للمخالفين، وبيان ذلك ما يأتي:

أولًا: فيما يخص الشرط الأول، وهو أن يكون موضوع التحدي داخلًا في اختصاص من وجِّه إليهم التحدي، فمن المعروف أنَّ قريشًا وسائر العرب اشتهروا بالبلاغة والفصاحة والمعروفة باللسان العربي، وبرزوا في ذلك خطابة ونثرًا وشعرًا وتذوقًا، حتى إنهم كانوا يعقدون المواسم الأدبية لتخيُّر أحسن الشعر، ومن المعلوم أيضًا أنَّ القرآن الكريم أنزله الله بلغة العرب وبلسانهم، فإذا تحداهم به وقال لهم: إن كنتم في شك من أن هذا القرآن هو كلام الله المنزَّل على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- فأتوا بمثله، أو بعشر سورة من مثله، أو بسورة من مثله، فإنما يتحداهم بشيء داخل في اختصاصهم وداخل فيما هم فيه بارعون، فيكون هذا الشرط متحققًا في تحدي القرآن للمخالفين.

ثانيًا: فيما يخص الشرط الثاني، وهو وجود الرغبة والحرص عند المخالفين من قريش وغيرهم على إبطال دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم، وإثبات ادِّعائهم بأنه ليس رسولًا لله، فهذا الشرط موجود ويعرفه صغار المطّلِعين على التاريخ الإسلامي، فمن الواضح أنَّ قريشًا لم ترض بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم، وحاولت محاولات شتَّى لإبطال هذه الدعوة، سلكت سبيل الترغيب بأن عرضت على أبي طالب أن يمنع ابن أخيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- من الاستمرار في دعوته، وهم مقابل ذلك يعطونه من الأموال ما يجعله أغناهم، ويجعلونه رئيسًا عليهم فيكون هو صاحب السلطان، أو يعرضونه على أهل المعرفة بالأمراض النفسية إن كان ما جاء به شيئًا اعتراه يحتاج إلى تطبيب وعلاج، فكان جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه بعد أن أبلغه رغبة قريش: "والله يا عماه، لو وضعوا الشمس

<<  <   >  >>