للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأغنياء، وحصيلة الزكاة من أوسع أبواب الضمان الاجتماعي العام للفقراء والمحتاجين.

٣٩٨- خامسًا: إذا لم تكف الزكاة وجب سد حاجات المحتاجين من موارد بيت المال الأخرى التي سنذكرها فيما بعد.

٣٩٩- سادسًا: إذا لم يوجد في بيت المال ما يسد حاجات المحتاجين وجب على الأغنياء سد حاجات الفقراء، وفي هذا يقول الفقيه المعروف ابن حزم: "وفرضٌ على الأغنياء من أهل كل بلدٍ أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكاة بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بُدَّ منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنّهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة"١.

ويؤيد ما ذهب إليه ابن حزم أنَّ الزكاة ليست هي الحق الوحيد في أموال الأغنياء للفقراء، فقد روي عن السيدة عائشة أمّ المؤمنين، وابن عمر -رضي الله عنهم، وغيرهما من الصحابة الكرام أنهم قالوا: "إنَّ في المال حقًّا سوى الزكاة"٢، وقد ذكر القرطبي والرازي في قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} قالا: إنَّ الإيتاء هنا غير الزكاة، وإنه من الواجبات لا التطوعات، وضرب الرازي لهذه الواجبات بعض الأمثلة منها إطعام المضطر، ثم قال القرطبي: "واتفق العلماء على أنَّه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها، قال مالك -رحمه الله: يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا إجماع أيضًا"٢.

٤٠٠- وعلى هذا نرى جواز قيام ولي الأمر المسلم بتنظيم جباية المال اللازم من الأغنياء، بفرض الضرائب العادلة في أموالهم بقدر ما يسد حاجات المحتاجين، ويمكِّن الدولة الإسلامية من القيام بالوجائب المفروضة على المسلمين، والتي تقم بها الدولة نيابةً عنهم، مثل: تحصين الثغور وإعداد السلاح للدفاع عن دار الإسلام، وهذ كله إذا لم


١ المحلى ج٦ ص١٥٦.
٢ المحلى ج٦ ص١٥٨.
٣ تفسير القرطبي ج٢ ص٢٤١، ٢٤٢، تفسير الرازي ج٥ ص٢٤.

<<  <   >  >>