للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجدانه وكيانه الإنساني، ومن ثَمَّ لا بُدَّ من تقرير مبدأ حرية العمل للإنسان، وجعله هو الأصل والأساس، والتقييد هو الاستثناء الذي لا يجوز إلّا عند الضرورة.

وفي حرية العمل أيضًا إنماء لمواهب الإنسان وكفاءته وقدرته؛ لأن كل إنسان يختار من الأعمال ما يرغب فيه ويناسب ميوله وقدرته، فيندفع نحوه بشوقٍ ورغبة، فيكثر إنتاجه، ويبارك في عمله، وفي هذا خير عميم للمجتمع الذي يعيش فيه، وهذا بخلاف سلب الفرد حريته في العمل، وتسليط الدولة عليه لتختار هي العمل له، فإنَّ هذا الاتجاه لا يوفِّر للأفراد ما يناسبهم من أعمال، فتموت مواهبهم، ويقل نشاهطهم، ويقبلون على العمل متضجرين كارهين، فتقل ثمرات أعمالهم، ويقل الإبداع فيها، ويعود ضرر ذلك عليهم وعلى المجتمع. وأخيرًا فإنَّ الإنسان في الإسلام مسئول مسئولية كاملة عن أعماله، وعن اختياره وتركه، فمن العدل إعطاؤه الحرية الكافية لاختيار العمل الذي يريده.

ومع هذا الذي قلناه، يمكن عند الضرورة، وحيث يكون استعمال الناس لحريتهم الاقتصادية مضرًّا للمجموع، أو يكون وراء هذه الحرية سوء قصد وإرادة الشر بالجماعة، ففي هذه الحالات وأمثالها يكون لوليِّ الأمر الحق في التدخل في حرية الأفراد، وإلزامهم بما يدفع الضرر عن الناس، وعلى هذا الأساس قال بعض الفقهاء بجواز تسعير المواد الضرورية إذا امتنع التجار عن بيعها بقيمتها المعتادة، وحمل أرباب الصناعات والحرف على العمل بأجر المثل إذا امتنعوا عن العمل، وكان في الناس حاجة لصناعاتهم وأعمالهم١.

٤٠٥- ومن النتائج الحتمية لتقرير مبدأ حرية العمل للأفراد، إقرار المنافسة الحرة بين الأفراد في مجال النشاط الاقتصادي في إطارٍ من الأخلاق الإسلامية الفاضلة، فلكل فرد أن يضاعف نشاطه أو جهده؛ ليبز غيره في مجاله، بشرط مراعاة معاني الأخلاق، فلا يجوز الغش والخداع والخصام وتنزيل الأسعار إلى حد الخسارة بحجة المنافسة الحرة، بينما القصد منها الإضرار بالآخرين، واحتكار البيع في السوق من قِبَل فرد أو زمرة قليلة تتواطأ على هذا التنزيل والإضرار بالناس.


١ الطرق الحكمية لابن قيم الجوزية ص٢٢٦، ٢٤٠.

<<  <   >  >>