للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤٠٦- ومن النتائج أيضًا لتقرير مبدأ حرية العمل التفاوت في الأرباح وثمرات الأعمال، نظرًا لاختلاف المواهب والكفاءات ومقدار الجهد المبذول، والإسلام يقر هذا التفاوت الطبيعي ما دام ناتجًا عن أسباب مباحة مشروعة؛ لأنه نتيجة لازمة لاختلاف الناس في مقدار ذكائهم ومعرفتهم ومواهبهم، قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ، فالله تعالى فاضل بين عباده في الرزق، وفي الغني والفقر؛ ليسخِّر ويستعمل بعضهم بعضًا في أسباب المعايش المختلفة، وهي كثيرة جدًّا لا يمكن أن يحيط بها الإنسان، ومنها تفاوتهم في المواهب والكفاءات، ولا يمكن إزالة هذا التفاوت مطلقًا ما دام التفاوت في مواهب البشر قائمًا لا يمكن إزالته، وإنما الممكن والمطلوب إعانة الضعيف من قِبَل الغني، وهذا ما أكَّده الإسلام ودعا إليه، ووضع من الوسائل ما يحققه فعلًا.

الفرع الثاني: حق الملكية الفردية

٤٠٧- من البديهيات التي يعرفها صغار المطَّلعين على الشريعة الإسلامية أنَّ الإسلام أقرَّ للأفراد بحق الملكية الفردية، وبهذا الإقرار أمكن للفرد أن يكون مالكًا، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُون} ، فأثبت الله تعالى للناس الملك لما خلقه الله -سبحانه وتعالى، وقال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} ، فأثبتت هذه الآية الملك للناس، وأضافت المال إليهم أضافة ملك واختصاص، وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} ، وقال تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} ، وقال تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} ، فهذه


١ تفسير القرطبي ج١٦ ص٨٣.

<<  <   >  >>