وقال الفقيه الماوردي: يؤخذ خمس الفيء ويقسَّم على خمسة أسهم متساوية: سهم منها كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته، ينفق منه على نفسه وأزواجه ومصالحه ومصالح المسلمين، وقد صار هذا السهم بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- مصروفًا في مصالح المسلمين؛ كأرزاق الجيش وإعداد السلاح وبناء الحصون والقناطر وإعطاء رواتب القضاة والموظفين، وما جرى هذا المجرى من وجوه المصالح العامة، والسهم الثاني: سهم ذوي القربى، وهم بنوا هاشم وبنو عبد المطلب بن عبد مناف، والسهم الثالث: لليتامى من ذوي الحاجات، واليتم موت الأب مع الصِّغَر، والسهم الرابع: للمساكين، وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم، والسهم الخامس: لبني السبيل، وهم المسافرون الذين لا يجدون ما ينفقون، وأما أربعة أخماس الفيء ففيه قولان أحدهما: إنه للجيش خاصة، والثاني: إنه مصروف في المصالح العامَّة، ومنها: أرزاق الجيش وما يلزمه١.
والواقع أنَّ الآية الكريمة كما يقول الفقيه المشهور ابن القيم: إنما أفاء الله على رسوله بجملتها لمن ذكر في هذه الآيات، ولم يخص منه خمس بالمذكورين، بل عمَّم وأطلق واستوعب، فيصرف الفيء على المذكورين كلهم، أمَّا ذكر اليتامى والمساكين ونحوهم فإنما يفيد العناية بهم، وضرورة إدخالهم في جملة المستحقين للفيء وإن كانوا يستحقون أيضًا من خمس الغنيمة، ولا يفيد حصر الاستحقاق بهم، وعلى هذا فالفيء يستحقه هؤلاء المذكورون والمهاجرون والأنصار الذين جاءوا من بعدهم من المسلمين الذين يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.. إلخ، ولا يدخل معهم من يلعنهم ويتبرأ منهم، وعلى هذا فيصرف الفيء في جميع مصالح المسلمين، ومنها: الإنفاق على ذوي الحاجات، ودفع الأرزاق للجند والعلماء والقضاة وسائر موظفي الدولة، كما يعطى منه إلى عموم المسلمين، وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين في سيرتهم وهديهم، ولذلك قال عمر -رضي الله عنه:"وليس أحد أحق بهذا المال من أحد، إنما هو الرجل وسابقته، والرجل وغناؤه، والرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته".
فجعلهم عمر -رضي الله عنه- أربعة أقسام، الأول: ذوي السوابق الذين بسابقتهم، أي: بإسلامهم حصل المال، والثاني: من يغني عن المسلمين في جلب المنافع لهم، كولاة الأمور والعلماء الذين يجلبون لهم منافع الدنيا والآخرة، والثالث: من يبلي بلاء حسنًا في دفع