للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن الكريم {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ١، قال الإمام ابن العربي المالكي في تفسيره: في هذه الآية تهديد ووعيد مؤكَّد في ترك النفير والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم على أن تكون كلمة الله هي العليا، أمَّا نوع العذاب فقال عنه الإمام ابن العربي: "هو الذي في الدنيا باستيلاء العدو على من يستولي عليه، وبالنار في الآخرة"، ووقائع التاريخ القديمة والحديثة تؤيِّد ما ذكرها ابن العربي، فما أصاب المسلمين من ذلٍّ وتسلط الكفرة عليهم إلّا بتركهم الجهاد المطلوب منهم.

٤٦١- وعلى ذكر الجهاد والقتال في سبيل الله، يقول بعض الكتاب المحدثين: إن القتال في الإسلام أو الجهاد في الإسلام هو دفاعي لا هجومي، بمعنى أنَّه لا يجوز للدولة الإسلامية أن تهاجم دولة غير إسلامية إلّا إذا هاجمتها هذه الأخيرة، والواقع أنَّ هذا القول غير سديد وينقصه التحقيق والتدقيق، ولا تدل عليه دلائل الشريعة، ذلك أنَّ القتال في الإسلام له أسباب، منها: ردّ الاعتداء، وفي هذا قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ٢، ومنها: القتال لنصرة ضعفاء المسلمين الذين يتعرَّضون لظلم الكفرة، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} ٣.

ومنها: أن يبدأ المسلمون قتال الكفرة إذا رفضوا الإسلام ومنعوا المسلمين من تولي الحكم والسلطان؛ لاقامة شرع الله وتطبيقه في الأرض، وهذا هو الذي يجادل فيه البعض ويعتبره من قبيل القتال الذي يبدأ به المسلمون غيرهم بلا مبرِّر، والحقيقة أنَّ القرآن والسنة النبوية يدلان على هذا النوع من القتال، وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} ٤، والفتنة معناها: الكفر والشرك، قال الإمام أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن" في تفسير هذه الآية: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا


١ سورة التوبة، الآية: ٣٩.
٢ سورة البقرة، الآية ١٩٠.
٣ سورة النساء، الآية: ٧٥.
٤ سورة الأنفال، الآية: ٣٩.

<<  <   >  >>