للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن في القصاص من القاتل وإعطاء حق القصاص لأهل القتيل ردعًا مؤثِّرًا وزجرًا كافيًا لمن تسوّل له نفسه إزهاق روح البريء؛ لأنَّ الإنسان يحبُّ ذاته ويحرص عليها، ويخاف من فواتها، فينزجر عمَّا يؤدي إلى ذلك إذا ما علم أنَّ القصاص من حق أولياء القتيل، وأنه لا يمكن للقاضي ولا رئيس الدولة العفو عنه إذا ما طلب أهل القتيل القصاص منه، ولهذا كله رأينا أن جرائم القتل قليلة يوم كان نظام القصاص الشرعي هو المطبَّق السائد في البلاد الإسلامية، وأن جرائم القتل ازدادت ولا تزال في ازدياد عندما نُحِّيَت عقوبة القصاص الشرعية، فكيف بعد هذا يمكن لمنصفٍ أن يعترض على عقوبة القصاص الشرعية، والنظر السديد يؤيِّدها، والواقع يشهد بصحتها وبكفايتها للزجر والردع، وأثرها في حفظ حياة الناس، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} ١.

ولا بُدَّ هنا من الإشار إلى أنَّ هذا الحجاج والمناقشة إنما يساقان على سبيل التنزيل وإسكات المعترض بنفس اعتراضه، وإلّا فإنَّ المؤمن بالله وباليوم الآخر وبدين الإسلام لا يجوز له الاعتراض على شرع الله؛ لأن الاعتراض عليه نوع من الارتداد عن دين الإسلام، وأنَّ من شرط الإيمان: الحكم بما شرعه الله وارضى به، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ٢.

٥٠٠- وأمَّا اعتراضهم في الدية وأنَّها تحميل لغير الجاني، وأنَّ هذا يناقض مبدأ قصر المسئولية على من قام فيه سببها، فالجواب أنَّ مبدأ قصر المسئولية على من قام فيه سببها، المستفاد من قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ٣ مبدأ قائم في الشريعة غير منسوخ ولا معطّل، وليس في تشريع الدية مناقضة له أصلًا؛ لأن إيجاب الدية على العاقلة في القتل الخطأ، إنما كان بناء على التعاون والمواساة؛ لأنَّ المخطئ من حقه أن يعان، وأنَّ أَوْلى من يعينه أهله وأقرباؤه من عصبته الذين يرثونه بعد موته، فمن باب الغنم بالغرم وجب عليهم مواساته، والاشتراك معه في الدية، وفي


١ سورة البقرة، الآية: ١٧٩.
٢ سورة النساء، الآية: ٦٥.
٣ سورة فاطر، الآية: ١٨.

<<  <   >  >>