للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، وأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمَّهم الله بعقاب" ١.

هذا، ويلاحظ أن في الآية نفسِها ما يؤكِّد وجوب الدعوة إلى الله تعالى على كل مسلم، وينفي الوهم الذي يتشبث به القاعدون، ذلك أنَّ الله -سبحانه وتعالى- قال في الآية: {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، والاهتداء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنما يتمُّ بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلّال"٢.

٥١٦- وقد يتشبث البعض بشبهة أخرى، وهي: إنَّ الباطل انتشر في الأرض، ولم تعد الدعوة إلى الله تنفع شيئًا، وعلى المسلم أن يهتمَّ بنفسه ويدع أمر الخلق، والجواب على هذه الشبهة كما سنوضحه فيما بعد: إنَّ الواجب على المسلم هو القيام بواجب الدعوة إلى الله، سواء حصل المقصود واستجاب الناس أو لم يستجيبوا، وقد حصلت هذه الشبهة لأقوام سالفين قصَّ الله لنا من أخبارهم، وكيف أنَّ الدعاة إلى الله ردوا عليهم شبهتهم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ٣، والآية الكريمة تشير إلى أهل قرية صاروا ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المعاصي، وفرقة أنكرت عليهم ووعظتهم، وفرقة سكتت عنهم فلم تفعل ولم تنه، ولكنها قالت للمنكِرة: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} أي: لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنَّهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله، فلا فائدة في نهيكم إياهم، فقالت الفرقة المنكرة، بالجواب الصحيح: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي: فيما أخذ علينا من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن نعتذر إلى ربنا، لا نملك إلّا أن ندعو هؤلاء العصاة للإقلاع عن معصيتهم والإنابة إلى


١ نيل المرام من تفسير آيات الأحكام للسيد محمد صديق حسن خان ص٢٥١، الجصَّاص ج٢ ص٣١.
٢ الحسبة لابن تيمية، في مجموع رسائله، ص٢٧٥.
٣ الأعراف، آية: ١٦٤، ١٦٥.

<<  <   >  >>