للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ربهم {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون} أي: ولعلَّ هذا الإنكار عليهم، ودعوتنا إياهم للإنابة إلى ربهم والرجوع إليه، يدعوهم إلى الاستجابة١، وفي هذا أشار إلى أنَّه ما دام هناك احتمال قبول الدعوة فلا بُدَّ من استمرار الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الله تعالى؛ ليحيا من حيّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.

٥١٧- وقد يتشبث البعض بشبهةٍ أخرى تقوم على فهمٍ سقيمٍ للآية الكريمة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ٢، فيتعلّل بأنَّ الدعوة إلى الله تسبِّب له تعبًا ونصبًا لا يستطيع تحمله، والواقع أنَّ هذه حجة ضعاف الإيمان رقيقي الدِّين، فإنَّ التعب المزعوم ينالهم في سعيهم للظفر بمآرب الدنيا التافهة، كالحصول على ربحٍ ماديٍّ زهيد مثلًا، فأولى بهم أن يتحمَّلوا شيئًا من التَّعَب في الدعوة إلى الله، وفي هذا التعب أجر عظيم لهم، والحقيقة أنَّ التَّعَب المزعوم يسير وبسيط، فهل هناك تعب شديد في تعليم الجاهل أمور الإسلام، أو في عرض الإسلام على الكافر الذي لم يسمع بالإسلام؟ وهل يتعب إذا حرَّك لسانه بالكلام الطيب، أو يتعب فكره في أمور الإسلام؟ وهل يتعب تعبًا لا يطاق إذا تيسَّر له السفر إلى المجتمعات هناك؟ إنَّ المسلم أَوْلَى منهم بالتبشير ونشر الدعوة إلى الله بين أولئك الوثنيين، وإنَّ عليه إذا وسوس له الشيطان بالتَّعَب والإرهاق أن يتذكَّر قوله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} ٣، وعليه أن يتذكَّر أنَّ أصحاب رسول الله تحمَّلوا كثيرًا من الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، ونذكر على سبيل المثال شيئًا من أخبارهم وجهادهم في سبيل الله، فقد جاء في كتب السيرة، أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن رجع إلى المدينة ومعه المسلمون بعد معركة أحد، جاءه الخبر أنَّ أبا سفيان ومن معه من المشركين عزموا على الرجوع إلى المدينة؛ لاستئصال من بقي من المسلمين، فلما صلَّى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصبح أمر بلالًا فنادى: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم


١ تفسير ابن كثير ج٢ ص٢٥٧.
٢ سورة البقرة، الآية: ٢٨٦.
٣ سورة النساء الآية: ١٠٦.

<<  <   >  >>