للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يأمركم لطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلّا من شهد القتال أمس، فخرج سعد بن معاذ إلى داره يأمر قومه بالمسير وكلهم جريج، فقال: إنَّ رسول الله يأمركم أن تطلبوا عدوكم، فقال أسيد بن حضير -وبه سبع جراحاتٍ يريد أن يداويها: سمعًا وطاعة لله ولرسوله، وأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء، ولحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم، وجاء سعد بن عبادة قومه، وجاء أبو قتادة إلى طائفة فبادروا جميعًا، وخرج من بني سلمة أربعون جريحًا -بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحًا، وبالحارث بن الصِّمَّة عشر جراحات- حتى وافوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لمَّا رآهم: "اللهم ارحم بني سلمة" ١، وهكذا كان صحابة رسول الله، وهذا نموذج من جهادهم في سبيل إعلاء كلمة الله، فهل يستكثر المسلم إذا أتعب نفسه قليلًا في الدعوة إلى الله، ونشر محاسن الإسلام، وتعليم الناس مكارم الأخلاق؟ ألَا يستحي من نفسه إذا استكثر الجهد البسيط الذي يبذله في الدعوة إلى الله، وصحابة رسول الله يخرجون جرحى للقتال وهم يقولون: سمعًا وطاعة لله ولرسوله.

تعليل تكليف المسلم بالدعوة إلى الله:

٥١٨- ذكرنا في الفقرات السابقة الأدلَّة الشرعية على وجوب الدعوة إلى الله على كل مسلم ومسلمة، ومعنى ذلك أنَّ الإسلام لا يكتفي من المسلم بأن يكون في نفسه صالحًا مهتديًا، وإنما يريد منه أن يكون مصلحًا وهاديًا لغيره، فما تعليل ذلك؟ تعليل ذلك من وجوه.

الوجه الأول: إنَّ الله تعالى أرسل رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس جميعًا {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} ٢، ورسالته -عليه الصلاة والسلام- باقية إلى يوم الدين، ومقصدها هداية الخلق أجميعن؛ ليفوزوا بالسعادة في الدارين، ولهذا كانت رسالته رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ٣، وقد بلَّغَ -عليه الصلاة والسلام- رسالة ربه ومضى إلى جواره الكريم راضيًا مرضيًّا، فكان لا بُدَّ للمسلمين من


١ أمتاع الأسماع للمقريزي ص١٦٧.
٢ سورة الأعراف، الآية: ١٥٨.
٣ سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.

<<  <   >  >>