للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النهوض من بعده، وتبليغ دعوة الإسلام إلى أهل الأرض ليهدوهم بها، ويخرجوهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ١.

فهم شهداء الله على خلقه، ومبلغو رسالته إليهم بعد نبيهم، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} ٢، إنَّ قيام المسلم بالدعوة إلى الله يؤدي أعظم نفع وعونٍ لعباد الله؛ لأنه يمد إليهم يدًا كريمة تنقذهم مما هم فيه من رجس الشرك والوثنية، ويضعهم على صراط الله المستقيم، فيؤدون حق ربهم عليهم، ويحققون الغاية التي من أجلها خلقوا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} ٣.

الوجه الثاني: إن بقاء الشرك والكفر في الأرض يوثِّر عاجلًا أو آجلًا على معاني الإسلام القائمة في أيِّ جانب من جوانب الأرض، ولهذا يمنع الإسلام المسلم من البقاء في ديار الكفر، ويأمره بالتحوّل إلى ديار الإسلام؛ لئلَّا يفتتن في دينه أو يمرض قلبه أو يسلب إيمانه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ٤، وقال أهل التفسير في هذه الآية: إنها نزلت في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حرامًا بالإجماع٥.

وقال الإمام مالك: "تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهرًا ولا يستتر فيها"٧.

وعلى هذا، فقيام المسلم بدعوة أهل الشرك والكفر إلى الله وإلى دينه يفيده ويقيه شرور الكفر.


١ سورة إبرهيم، الآية ١.
٢ سورة البقرة، الآية: ١٤٣.
٣ سورة الذاريات، الآية ٥٦.
٤ سورة النساء، الآية: ٩٧.
٥ تفسير ابن كثير ج١ ص٥٤٢.
٦ تفسير القرطبي ج٢ ص٣٩١.

<<  <   >  >>