للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثالث: دفع الهلاك والعذاب عن المسلمين، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ١، قال ابن عباس -رضي الله عنهما: أمر الله المؤمنين ألَّا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب، أي: يصيب الصالح والطالح، وفي مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث" ٢.

الدعوة إلى الله بقدر حال الداعي وقدرته:

٥١٩- وإذ تبيّن أن الدعوة إلى الله واجب على كل مسلم، فإنَّ هذا الواجب يتحدَّد بقدر حال الداعي وقدرته؛ لأنَّ القدرة هي مناط الوجوب وقدره، فمن لا يقدر لا يجب عليه، ومن يقدر فالوجوب عليه بقدر قدرته، ويدخل في مفهوم القدرة العلم والسلطان، فيجب على العالم ما لا يجب على الجاهل، ويجب على ذي السلطان ما لا يجب على غيره من آحاد المسلمين، ولهذا فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- خصَّ بالإنذار والوعيد أهل العلم، وحذَّرهم من كتمان الحق الذي عرفوه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ٣، فأوجب الله تعالى على أهل العلم أن يبيِّنوا للناس ما علموا من معاني الإسلام، وأن ينشروها بين الناس؛ لينقذوهم من أوضار الشرك، وكل من عرف شيئًا من معاني الإسلام فهو عالم بهذا الشيء، وعليه تبليغه إلى من يجهله، فليس العلم شيئًا واحدًا لا يتجزَّأ ولا يتبعَّض، وإنما هو قابل للتجزئة، وكل مسلم يعلم أنّه لا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن الحساب في يوم القيامة حق، وأن القرآن الكريم كلام الله حق، وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وأن الصلاة والصيام والحج والزكاة من فرائض الإسلام، فعليه أن يبلغ ما علمه، أمَّا ما يجهله فلا يكلف بتبليغه ولا تعليمه؛ لأنه يجهله، وفاقد الشيء لا يعطيه.

والنوع الثاني من القدرة: وهو السلطان والتمكين في الأرض، فقد أشار القرآن


١ سورة الأنفال، الآية: ٢٥.
٢ القرطبي ج١ ص٣٩٠.
٣ سورة البقرة الآيتان: ١٥٩، ١٦٠.

<<  <   >  >>