للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكريم إلى هذا النوع، وأوجب على أصحابه أن يستعملوا ما وهبه الله لهم من تمكينٍ وسلطان في نشر الدعوة إلى الله تعالى، وإعمار الأرض بفضائل الأعمال وبعبادة الله -تبارك وتعالى، قال -عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} ١، وقد قال أهل التفسير في المراد من أهل التمكين في الأرض: إنهم الولاة، ومنهم من أدخل فيهم العلماء٢، والأوّل أظهر، وعلى هذا فمن أتاه الله تعالى الملك والسلطان فعليه أن يعمر الأرض بعبادة الله، وعلى رأسها الصلاة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وعلى رأس المعروف الدعوة إلى الله، وعلى رأس النهي عن المنكر النهي عن الشرك بجميع أنواعه وأشكاله، وهذا هو مقصود الولاية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنما نصب الإمام ليأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وهذا هو مقصود الولاية"٣.

وقد فَقِه هذا المعنى ولاة الأمر في الماضي، فاستعملوا سلطانهم في إقامة دين الله والدعوة إليه، كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمَّاله في الأقاليم كتابًا جاء فيه: "وإن من طاعة الله التي أنزل في كتابه أن يدعو الناس إلى الإسلام كافة، فادع إلى الإسلام وأمر به، فإنَّ الله تعالى قال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ٤، والحقيقة أنَّ قيام ولي الأمر بواجب الدعوة إلى الله يؤدي إلى نتائج كبيرة جدًّا ومؤثِّرة جدًّا؛ لأنه يملك القوة والسلطان، وبيده الأمر والنهي، مما يجعله قادرًا على التنفيذ أكثر من أيِّ واحدٍ من آحاد الرعية، ولهذا جاء في الأثر المشهور "إنَّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وبقدر قدرة المسلم على الدعوة والتنفيذ يكون واجبة في الدعوة إلى الله ومسئوليته عن ذلك.

الدَّاعي يدعو إلى الله في كل وقتٍ وفي جميع أحواله وظروفه:

٥٢٠- قلنا: إنَّ الدعوة إلى الله واجب على المسلم، فهو يؤديه بهذ الاعتبار.


١ سور الحج، الآية: ٤١.
٢ القرطبي ج١٢ ص٧٣.
٣ السياسة الشرعية لابن تيمية ص٧٧.
٤ سورة فصلت، الآية: ١٣٣ عمر بن عبد العزيز تأليف عبد الله بن عبد الحكيم ص٩٤.

<<  <   >  >>