للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وواجب الدعوة إلى الله ليس له وقت محدَّد كالصلاة والصيام، ولهذا فإنَّ هذا الواجب يؤدِّيه المسلم في جميع الأحوال والظروف، وفي كلِّ وقتٍ يتيسَّر له فيه أداؤه، قال تعالى مخبرًا عن نوح -عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} ١، وكذلك كان رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم يدعو قومه ليلًا ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، ولم يشغله شيئ عن الدعوة إلى الله تعالى٢، والواقع أن الداعي إذا كان صادقًا في دعوته منشغلًا بها، لا يفكِّر إلّا فيها، ولا يتحرَّك إلّا من أجلها، ولا يبخل عليها بشيء من جهده ووقته، لم يشغله عنها شاغل أبدًا حتى في أحرج الساعات وأضيق الحالات وأدق الظروف، وهكذا كان رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم، فعندما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه، لقي في طريق بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركبٍ من قومه فيما بين مكة والمدينة، فدعاهم إلى الله، حتى وهو في طريقه مهاجرًا إلى المدينة والقوم يطلبونه. ويوسف -عليه السلام- عندما دخل السجن مظلومًا لم يشغلها السجن وضيقه عن واجب الدعوة إلى الله، ولهذا فقد اغتنم سؤال السجينين عن رؤيا رأياها، فقال لهما قبل أن يجيبهما ما أخبرنا الله به: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، المطلوب من الدَّاعي أن يدعو إلى الله، وليس المطلوب منه أن يستجيب الناس.

٥٢١- المطلوب من الداعي أن يدعو إلى الله، وهذا هو الواجب عليه، وليس المطلوب منه أن يستجيب الناس، قال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ٤، فإذا كان الرسول غير مكَلَّف إلّا بالتبليغ، فغيره من آحاد الأمَّة أولى أن لا يكلف بغير التبليغ. وتعليل ذلك من وجهين؛ الأول: إنَّ القاعدة الأصولية تقول:


١ سورة نوح، الآية: ٥-٩.
٢ إمتاع الأسماع للمقريري ص١٨.
٣ إمتاع الأسماع ص٤٢.
٤ سورة يوسف، الآية: ٣٩، ٤٠.
٥ سورة العنكبوت، الآية: ١٨.

<<  <   >  >>