للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الإنسان لا يُكَلَّفُ بفعل غيره، أي: لا يكلف أن يفعل غيره فعلًا معينًا، أو يترك فعلًا معينًا؛ لأنَّ هذا من قبيل تكليف ما لا يطاق، وإنَّما يكَلَّف الإنسان أن يفعل هو فعلًا معينًا يتعلق بغيره، وقد يحمله على الفعل، كالدعوة إلى الله، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمسلم مطالب ومكلَّف بأن يأمر بالمعروف، وقد يستجيب المأمور، فيكون أمر الآمر سببًا لفعل المأمور، وقد لا يستجيب المأمور، ولهذ مدح الله تعالى أحد أنبيائه بأنه {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ} ١، فالذي يمكله المسلم ويكلَّف به أن يأمر غيره بالمعروف، ويدعوه إلى عبادة الله، ولا يكلف بأن يفعل الغير فعلًا معينًا.

الوجه الثاني: إن الاستجابة بيد الله وحده، فهو الهادي {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ٢، ولله الحجة على عباده، ولو شاء لهداهم أجمعين، لا يُسْأَل عمَّا يفعل وهم يسألون، أمَّا هداية التبليغ والبيان والدعوة فهي للرُّسل ولسائر الدعاة، فهم المكلَّفون بها، قال تعالى لرسوله -صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ٣، مع قوله تعالى في آية آخرى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ٤.

الاستمرار على الدعوة إلى الله وإن لم يستجب أحد:

٥٢٢- وإذا كان المطلوب من المسلم أن يدعو إلى الله وليس المطلوب منه أن يهدي الناس، فعليه أن يستمرَّ على الدعوة بلا كلل ولا ملل ولا فتور؛ لأنَّ واجبه البلاغ والتبيين، وهذا متعلق به، فعليه أن يؤدِّيه كما يؤدي سائر العبادات، وإن لم يستجب له أحد، ألا ترى أن نوحًا -عليه السلام- لبث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنه إلّا خمسين عامًا.

وهكذا كان رسل الله يدعون أقوامهم مدة حياتهم، فمنهم من استجاب له قومه أو بعضهم، ومنهم من لم يستجب له أحد، وقال الإمام النووي: "لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإنَّ الذكرى تنفع المؤمنين، فإنَّ الذي عليه الأمر والنهي لا القبول"٥ ووجه الدلالة


١ سورة مريم: الآية: ٥٥.
٢ سورة المدثر، الآية: ٣١.
٣ سورة الشورى، الآية: ٥٢.
٤ سورة القصص، الآية: ٥٦.
٥ شرح صحيح مسلم للنووي ج٢ ص٢٢.

<<  <   >  >>