للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعطيه فرقانًا ونورًا يفرِّق به بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، وتعطيه قوة في قلبه، وحياة وسعة وانشراحًا وبهجة وسرورًا، وتعلقًا بالآخرة، وعزوفًا عن الدنيا، فيصير هو في شأن، والناس في شأن آخر١.

أركان الفهم الدقيق:

٥٣٠- معاني الفهم الدقيق التي تكون دعائمه وأركانه كثيرة، وأهمها في نظرنا اثنان؛ الأول: فهم الداعي غايته في الحياة، ومركزه بين البشر. الثاني: تجافيه عن دار الغرور وتعلقه بالآخرة، فلنبيّن المقصود من هذين الركنين.

معرفة الداعي غايته في الحياة ومركزه بين الناس:

٥٣١- ما هي غاية الإنسان في الحياة؟ وهل وراء هذه الغاية غاية أخرى؟

أجابنا القرآ ن الكريم على هذا التساؤل، فجعل الناس صنفين: الصنف الأول: يجعلون غايتهم الأكل والشرب والتمتع بملاذ الجسد، وليس وراء هذه الغاية عندهم غاية أخرى، فهم يهتبلون فرص العمر وأيامه ليتمتعوا ما وسعهم التمتع، فما بعد هذه الحياة في نظرهم الكليل وقلوبهم الميتة إلّا العدم والفناء، وهؤلاء شر الخلق وأشقاهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} ١، فهم صاروا كالدوابِّ والبهائم، لا يختلفون عنها إلّا في الصورة والشكل، وإلّا في دخول النار. تلك هي غاية هذا الصنف، أما مركزهم بين الناس فهو مركز الإضلال والإفساد، ومآلهم جميعًا دخول النار، قال تعالى: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ٢.

الصنف الثاني: وهم الذين عرفوا الحقيقة والغاية، عرفوا أنهم خلقوا لله لعبادته، وأنهم إليه راجعون، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ٣.


١ مدارج السالكين لابن القيم ج١ ص٤٥٢.
٢ سورة محمد، الآية: ١٢.
٣ سورة البقرة، الآية: ٢٢١.
٤ سورة الذاريات، الآية: ٥٦.

<<  <   >  >>