للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزاد {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ١، متطلعًا إلى ما هناك، إلى ما يئول إليه أمره بعد سفره البعيد، أيكون مصيره إلى نار جهنم، وفي ذلك شقاؤه العظيم، أم يكون مصيره في دار النعيم بجوار الربِّ الكريم؟ إنه لهذه العاقبة المجهولة يكون دائمًا بين الخوف والرجاء، ولكنَّه خوف العارف لا الجاهل، ورجاء العالم لا الخامل. إنَّ هذا العلم هو الذي قلَّ وجوده بين الناس وبين طلاب العلم، وبدونه لا يعتبر العالم عالمًا وإن حفظ الشروح والمتون والأحكام، وملأ رأسه منها، ورددها على لسانه، وإنَّ هذا العلم هو لب العلم وغايته، وكل مسلم محتاج إليه، والعالم أشد حاجة إليه، والداعي أحوج من الجميع إليه. إنَّ هذا العلم هو الذي نسميه "الفهم الدقيق"، وهو الذي فقهه الصحابة الكرام وأشربت به عقولهم وقلوبهم، فضنّوا بوقتهم أن يذهب سدًى في غير طاعة الله ودعوة إليه، فنشطت جوراحهم في العبادة والجهاد في سبيل الله والدعوة إليه، حتى أتاهم من ربهم اليقين.

الفهم الدقيق يقوم على تدبُّر معاني القرآن:

٥٢٩- ويقوم الفهم الدقيق على تدبُّر معاني القرآن وإطالة النظر فيها، وترديدها، والوقوف عندها، والتغلغل في مراميها ومقاصدها، فإنَّ الله تعالى أنزل كتابه ليتدبَّر الناس آياته لا لمجرد أن يتلوه، فلا فهم ولا تدبر، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} ٢، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} ٣، إنَّ تلاوة القرآن بتدبُّر وإمعانٍ تعرف المسلم بالربِّ الذي يدعوا إليه، وطريق الوصول إليه، وما للمستجيب من الكرامة إذا قدم عليه، وتعرِّفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان وحزبه، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوة الشيطان من الإهانة والعذاب.

إنَّ هذه المعرفة ضرورية للداعي؛ إذ بها تجعله كأنَّه في الآخرة وإن كان هو في الدنيا، وتميِّز له بين الحق والباطل في كل ما اختلف فيه الناس، فتريه الحق حقًّا والباطل باطلًا


١ سورة البقرة، الآية: ١٩٧.
٢ سورة ص، الآية: ٢٩.
٣ سورة محمد، الآية: ٢٤.

<<  <   >  >>