للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقل من عشر رجال بلده، ومعنى ذلك أنَّ الموت في الشباب كثير لم ينج منهم إلّا القليل، وهم الكهول الحاضرون.

فإذا قصر أمله في الحياة انبعث إلى التجهُّز للآخرة بعلم الطاعات؛ إذ لا يدري متى ينادى عليه بالرحيل.

فإذا تخلَّص الداعي المسلم من التعلق بالدنيا، وأفرغ ما في قلبه من سمومها، وأقبل على الآخرة، أحسَّ بغربة شديدة في الدنيا، ولكن مع خِفَّة في روحه، وإقبال شديد على مراضي ربه، وعلى رأسها الدعوة إليه، وهداية الحيارى من عباده، لا يعيقه عن ذلك تعب ولا نصب ولا ألم ولا سفر ولا سهر ولا بذل ولا تضيحة؛ لأنَّ ذلك كله من الزاد المؤكَّد نفعه وفائدته في سفره الطويل البعيد إلى الآخرة، بل إنَّه سيجد في تعبه راحة، وفي أمله لذة، وفي بذله ربحًا، وفي تضيحته عوضًا مضمونًا، وليس فيما أقوله خيالًا أو مبالغة، فإنَّ الغريب عن أهله الذي طالت غربته عنهم، وازداد شوقه إليهم، سيجد لذَّة وهو يعدّ أسباب سفره إليهم، وإن كان في إعداد ذلك تعب لجسمه، وسهر في ليله، ومن جرَّب عرف.

<<  <   >  >>