كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ١، وأنفع شيء للداعي المسلم أن يتفقَّه في سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وسيرته في الدعوة إلى الله منذ أن بعثه الله إلى أن أختاره إلى جواره الكريم، ووجه هذا النفع للداعي أنَّ سيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- هي ترجمة عمليّة للمنهج الرباني للدعوة إليه، الذي جاءت به آيات الله في قرآنه، وما من حالة قط يمرُّ بها الداعي إلى الله إلّا يجد مثيلها أو شبيهًا لها أو قريبًا منها في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم، وكيف تصرَّف إزاءها سيد الدعاة إلى الله. إنَّ التفقه في السيرة النبوية إذا انضمَّ إلى التفقه في القرآن، لا سيما فيما يخصّ الدعوة إلى الله، يجعل الداعي على نور من ربه، وفرقان مبين يبيِّن له الصواب في الأمور المشتبهة والدقيقة، والذي يعين على متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- استحضار شخصه الكريم في فكر الداعي، ومصاحبته مصاحبة روحية وجدانية، وتخيل مواقفه المختلفة، واستحضار صفاته الكريمة وعظيم شفقته على الأمَّة، فإنَّ هذا ونحوه سيزيد من محبة المسلم لرسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم، وكلما ازدات محبته له ازداد تعلقه به ومتابعته له.
٥٣٨- ومن لوازم محبة الداعي المسلم لربه المستفادة من القرآن الكريم والسنة، وطبيعة المحبَّة، أمور أخرى منها:
أ- الولع بذكره تعالى في كل حين، فلا يفتر عنه لسان الداعي ولا يخلو منه قلبه، فمن أحبَّ شيئًا أكثر بالضرورة من ذكره وذكر ما يتعلق به، ومن هنا كان من علامات المحبيين الإكثار من تلاوة كتابه -جلّ جلاله، فهو ربيع قلوبهم، وأنيسهم في وحدتهم، والنور الذي ينير صدورهم، وكذلك ذكر الله في كل حين، وفي كل مناسبة، ولهذا يستَحبّ للداعي المسلم أن يأخذ نفسه بأوراد الذكر التي وردت بها السنة النبوية يتلوها بعد صلاة الصبح وعند النوم، وعند الخروج والدخول، والأكل والشرب واللباس، والسفر والإقامة، وفي الأسحار.
ب- يأنس بمناجاة الله بالخلوة، فهو لا يستوحش منها ولا يضيق بها، بل يستغلها فرصة لهذه المناجاة.
جـ- يتنعَّم بطاعته ولا يستثقلها، فإن المُحِبَّ يتلذَّذ بخدمة محبوبه وينشط لها، ولهذا