للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الافتتان، ورسب في الامتحان، كما روي عن أحدهم أنه قال: يا رب امتحني بما شئت، فأنا راضٍ بقدرك، صابر على ابتلائك، فابتلاه الله باحتباس البول، فأخذ يصيح ويولول ويطوف على الأولاد ويقول لهم: ارموا عمَّكم الكذاب بالحجارة.

ثالثًا: لا ينبغي للمسلم أن يتعرَّض لما لا يطيقه من البلاء فيرسب في الامتحان، جاء في الحديث الشريف: "لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه"، قالوا: وكيف يذل نفسه يا رسول الله؟ قال: "يتحمَّل من البلاء ما لا يطيق" ١.

رابعًا: من الأدعية المأثورة أن يسأل المسلم ربَّه العفو والعافية،

والعافية يدخل فيها المعافاة من الابتلاء والمؤذيات، وهذا يدل على أنَّ التخلص والخلاص من أذى أهل الباطل ممدوح ومحمود غير مذموم.

خامسًا: وفي وصيته -عليه الصلاة والسلام- لأسامة بن زيد وقد جعله أميرًا على الجيش لغزو الروم قبل وفاته -عليه الصلاة والسلام- بأيام، قال له: "ولا تمنَّوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللهمَّ اكفناهم وأكفف بأسهم" ٢.

وقال ربنا -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} ، وهذا يشعر بأنَّ عدم احتياج المؤمنين للقتال لكفاية الله تعالى يُعْتَبر من نعمة الله على المؤمنين، والقتال فيه أذى ونصب وألم، فلو كان تعريض المسلم نفسه للابتلاء والأذى مطلوبًا لذاته لما كان عدم الاحتياج إليه مما يمنّ الله به على المؤمنين.

سادسًا: إيذاء أهل الباطل للمؤمنين غير مطلوب قطعًا، بل هو من سيئات أهل الباطل؛ لأنه إيذاء لأهل الحق، فكيف يسوغ تسليم المسلم نفسه للمبطل يؤذيه ويهينه ويذله؟ ألا يكون في هذا التسليم إعانة على وقوع ما يسخط الله تعالى، وإلقاءً للنفس في التهلكة والمهانة والذلة؟ وكل هذا لا يجوز.

سابعًا: أَذِنَ الله للمكرَه أن يقول كلمة الكفر تخليصًا لنفسه من الأذى والتلف، وهذا يدل على إباحة دفع الأذى، وأنَّ للمسلم أن لا يساعد على وقوعه عليه.


١ إمتاع الأسماع، ص٣٨.
٢ سيرة بن هشام، ص٣٣٠.

<<  <   >  >>