يكيد لهم أهل الباطل، ويفترون عليهم الكذب، ويؤذونهم بأنواع الأذى؛ لأنهم قوم يجهلون وضالون، وقد أوذي أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة أشدّ الأذى، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرهم بالصبر:"صبرًا آل ياسر إن موعدكم الجنة"، فعلى الداعي المسلم أن يقابل الأذى الذي يلقاه بالصبر الجميل، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، ومن قبلهم رسل الله، فإنَّ هذا الصبر مما ينعقد عليه عزم المؤمنين وتتوجَّه إليه إرادتهم {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ، وقال تعالى:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} .
استدعاء البلاء ودفعه:
٥٥٨- وإذا كان البلاء والابتلاء مما يصيب الدعاة إلى الله، وبهذا جرت سنة الله، فهل معنى ذلك أنَّ على الداعي المسلم أن يستدعي البلاء ويعمل على وقوعه، ولا يجوز له دفعه؟ في المسألة تفسير وتوضيح؛ لأنَّ هذه المسألة مما يقع فيها الاشتباه والخلط بسبب سوء الفهم، لا بسبب سوء النية والقصد، ولتوضيح هذه المسألة أذكر ما يأتي:
أولًا: المطلوب من الدَّاعي المسلم أن يدعو الله على بصيرة بالوسائل والكيفيات المشروعة التي بيّنَها القرآن الكريم وطبَّقها الرسول -صلى الله عليه وسلم، فإذا أدَّت هذه الوسائل إلى أذى يصيب الداعي، فعليه أن يتقلبه بالصبر لا بالجزع، وبالثبات لا بالفرار.
ثانيًا: إذا كان للداعي المسلم مندوحة من الأذى، أي: يستطيع أن يتوقاه ولا يجب عليه أن يقابله، فله أو عليه أن يتوقاه حسب الظروف والأحوال، فقد يباح له الابتعاد عنه وعدم مباشرة ما يستدعيه، وقد يجب عليه الابتعاد وعدم مباشرة ما يستدعيه؛ لأن الابتلاء صعب على النفس، فلا يجوز الحرص عليه ولا الرغبة فيه؛ لأن فيه فتنة مجهولة العاقبة، وقد يحس المسلم من نفسه القدرة على الثبات، ومن ثَمَّ لا يبالي بالابتلاء، بل ربما رغب فيه إمَّا طمعًا بثواب الله، وإمَّا لتدخل وسوسة الشيطان؛ ليقال عنه: ما أثبته وما أصبره على البلاء، فإذا نزل البلاء ضعف عن الاحتمال ووقع في