للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ، وقال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} ، فالإبتلاء من سُنَّة الله في الحياة، يبتلي عباده بمن يشاء ومتى يشاء وكيف يشاء؛ ليظهر ما في نفوسهم من إيمان ونفاق، وهذا الابتلاء يكون بأشياء كثيرة على رأسها التكاليف الشرعية، فهي ابتلاء وامتحان، وقد يكون في تزاحم محبوبات الرب مع محبوبات النفس، فإذا آثر محبوبات الله -عز وجل- على محبوبات النفس اجتاز هذا الامتحان، وإلّا رسب وفشل، وقد يكون الابتلاء في المصائب والآلام التي يصاب بها كالمرض وفقد الأعِزَّة وتلف الأموال، فإذا صبر وسلَّم واسترجع ولم يجزع أثابه الله ثواب الصابرين، وكان في هذا الامتحان من الناجحين، وإلّا كان من الخاسرين.

ابتلاء الدعاة إلى الله:

٥٥٧- وإذا كان الابتلاء مما قضت به سُنَّة الله في الحياة، فإنَّ ابتلاء الدعاة إلى الله مما جرت به السُّنَّة الإلهية أيضًا، فهم يبلتون بأذى الكفرة والمارقين بالقول والكيد واليد، قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} ١، وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} ٢.

وقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} ، ومعنى يسخفَّنَّك٣: يحملونك على الخِفَّة والطيش بعدم الصبر، والدعاة إلى الله


١ سورة الأنعام، الآية: ٣٤.
٢ سورة الحجر، الآيات: ٩٧-٩٩.
٣ تفسير ابن كثير ج٣، ص٧٠.

<<  <   >  >>