من لذةٍ وراحةٍ حتى يستوعب الدروس لينجح في الامتحان، وكذلك التاجر، وكذلك أيّ صاحب غرض يريد نواله، وما يقال عن الأفراد يقال عن الأمم، فالأمة التي تريد بلوغ ما تصبوا إليه تحتاج إلى صبر عظيم وتحمّل للمشاق، والانتصار في الحروب يكون بجانب الذي يملك أسبابه، ومن أعظم أسبابه الصبر، فالصبر إذَن ضروري لكل إنسان في الحياة، وإلّا صار هشًّا سريع الانكسار أمام الأحداث، وما أكثرها في الحياة، فإنها مملوءة بالمنغَّصَات والمشقَّات والصعاب والمؤلفات، فإذا لم يقابلها بشيء من الصبر انكسر وتفتَّتَ وتمزَّقت شخصيته في دروب الحياة، فتسحقه الأقدام وتلقيه بعيدًا عن طريق المارِّين.
٥٥٤- وإذا كان الصبر لأيِّ إنسانٍ من لوازم بقائه وسيره في الحياة وبلوغ ما يريد، فإنَّ الصبر أشدَّ ضرورة للمسلم من غيره؛ لأنَّ المسلم مطلوب منه أن يحبس نفسه ويكفّها عن المعصية، وفي المعاصي لذة للنفس يصعب عليها فراقها، فيحتاج إلى قدر كبير من ضبط النفس ومن الإرادة القوية التي تكفّ النفس وتمنعها من مقارفة الخطئية.
ومطلوب من المسلم أيضًا فعل الطاعات، وهذا يقتضيه أن يحبس نفسه عليها، وهو الصبر على الطاعة، وهو مطالب أيضًا بأن يصبر على المقدَّر ولا يجزع لئلَّا يتحمَّل إثمًا ووزرًا، بالإضافة إلى ضياع الأجر والثواب.
ضرورة الصبر على المسلم:
٥٥٥- وإذا كان الصبر ضروريًّا لأيِّ إنسان، لا سيما للمسلم، فإنَّ الصبر للداعي المسلم أشدّ ضرورة له من غيره؛ لأنَّه يعمل في ميدانين: ميدان نفسه؛ يجاهدها ويحملها على الطاعة ويمنعها من المعصية، وميدان خارج نفسه، وهو ميدان الدعوة إلى الله، ومخاطبة الناس في موضوعها، فيحتاج إلى قَدْر كبير من الصبر في المجالين: مجال النفس ومجال الدعوة، حتى يستطيع تجاوز العقبات وتحمُّل الأذى، فإن فقد الصبر قعد أو انسحب من الميدان، وحق عليه الحساب، وفاته الثواب.
٥٥٦- الابتلاء لا بُدَّ منه:
والابتلاء لا بُدَّ منه، فلا بُدَّ من الصبر لاجتياز الامتحان بنجاح، قال تعالى: