على مقتضى الشرع، ومما يعين على تحصيله المعرفة بالله وحقه على العباد، وحسن الجزاء للمطيعين، وأمَّا الصبر عن المعصية فيكون بهجر السيئات والفرار من المعاصي، والدوام على هذا الفرار، وذلك الهجر مما يعين على تحصيل هذا الصبر واستحضار الخوف من عذاب الله، وأعلى من هذا استحضار الحياء من الله والمحبَّة له، مع استحضار ثمرة هذا الصبر وهي إبقاء الإيمان وتقويته وإنماؤه؛ لأن المعصية تنقص الإيمان أو تضعفه أو تكدره أو تذهب نوره وبهاءه.
أما الصبر على البلاء والمصائب فيكون بترك التسخُّط واحتمال المؤلم المكروه، وترك الشكوى للناس، فإن الصبر الجميل ينافيه الشكوى للمخلوق، أمَّا الشكوى لله فلا ينافيه، قال تعالى عن يعقوب -عليه السلام:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} ، وقال عن أيوب:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ، مع قوله تعالى عنه في آية آخرى:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ، ومما يستدعي هذا الصبر استحضار نعم الله التي لا تُعَدّ ولا تحصى، فتهون على المصاب مصيبته، ويقل وقعها على نفسه، ويكون مثله مثل من يعطي ألف دينار ويفقد فلسًا واحدًا، ومما يعين أيضًا على الصبر على البلاء تذكر الجزاء العظيم للصابرين.
الصبر بالله ولله:
٥٥٢- والصبر بأنواعه إنما هو بالله، بمعنى: إنَّ المسلم يؤمن بأنَّ صبره إنما يكون بعون الله، فالله هو المصبِّر له، قال تعالى:{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} ، وصبر المسلم لله، أي: إنَّ المسلم يصبر طاعةً ومرضاة له، فالباعث على صبره محبة الله وطلب مرضاته، وهذا النوع من الصبر وهو يشمل الصبر على الطاعة وعن المعصية أكمل من الصبر على الابتلاء؛ لأنَّ في الأول اختيارًا وإيثارًا ومحبة، أمَّا الثاني فهو صبر ضرورة ولا اختيار للصابر.
حاجة الإنسان إلى الصبر:
٥٥٣- الصبر من الصفات اللازمة لكلِّ إنسان؛ إذ بدونه لا يستطيع بلوغ ما يريد؛ لأنَّ المراد لا ينال غالبًا إلّا بتحمُّل المكاره وحبس النفس عيها، وهذا مطَّرد في جميع أمور الحياة، فالطالب يحبس نفسه على المذاكرة والدرس وكفّ نفسه عمَّا تهواه