للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه الدلالة في هذه الآثار أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضي بحماية عمِّه أبي طالب له، ودفعه الأذى عنه، وكذلك دخوله -عليه الصلاة والسلام- بجوار المطعم، فدلَّ ذلك على جواز دفع البلاء والأذى عن الداعي ولو عن طريق حماية المشرك، وعدم استحباب تسليم المسلم نفسه لأهل الباطل، وكذلك فعل أصحاب رسول الله الذين هاجروا إلى الحبشة، فعندما رجعوا إلى مكة "لم يدخل منهم أحد إلّا بجوار أو متخفيًا"١، ويجب أن يعلم هنا أن الداعي المسلم في رغبته وسعيه لدفع الأذى عن نفسه إنما يقصد التمكين وإيجاد الجو المناسب لدعوته إلى الله، ويوضِّح ذلك ما جاء في السيرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى القبائل أيام الموسم ويدعوها إلى الإسلام ويقول: "من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي، فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلِّغ رسالة ربي" ٢.

خلاصة القول في استدعاء البلاء ودفعه:

٥٥٩- ومن هذا العرض الذي قدمته، والنصوص التي ذكرتها من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والسوابق القديمة في سيرة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام وهم أفقه المسلمين بشريعة الإسلام، يتبيِّن لنا بكل وضوح ما يأتي:

أولًا: الأذى أو الضرر الذي يلحق الداعي المسلم هو بمنزلة الأمراض والمصائب التي تنزل على الإنسان، فكما أنه لا يحبها ولا يرغب فيها ولا يريد إيقاعها على نفسه، ولا يقدح ذلك في إيمانه، فكذلك لا يقدح في إيمانه عدم محبته ولا رغبته في وقوع أذى أهل الباطل عليه، وعدم استدعاء الضرر على نفسه.

ثانيًا: إن احتمال وقوع الأذى والضرر به لا يقعد به عن دعوته إلى الله، ولكن الداعي لا يستدعي الأذى لنفسه، بل يعمل على عدم وقوعه، وإذا وقع عَملَ على دفعه بكل وسيلة مشروعة في ضوء ما جاء في القرآن والسنة.

ثالثًا: إذا وقع الضرر والأذى على الداعي المسلم بالرغم من التزامه بالسير المشروع


١ سيرة ابن هشام ج١، ص٣٨٨.
٢ إمتاع الأسماع، ص٣١.

<<  <   >  >>